20‏/04‏/2009

قصة قصيرة .


(5)
في موطني العربي .. وتلك العجوز.


في يوم من الأيام وفي ربيع عام ينتظر صيفا شديد الحرارة والذي اعتادت عليه جماهير العروبة وسياسييها
وتآكلت بالصدأ الذي سببته رطوبته محركات الدبابات والطائرات في مخازن جيوشها
وتعرقت جباه العدو وهو يمشي بين حدائق المدن العربية الواحدة تلو الأخرى لينظر إلى المقاتل الأسمر في زيه العسكري فلا يراه،
كانت العجوز تحرك المذياع وتضبط الموجة على إذاعة لندن إن وجدتها ففي كل صيف تنقطع الكهرباء وينقطع معها الإرسال الإذاعي اللندني على نهج الخلف الهالك
ربما لعدم جودة المذياع الذي أهداها إياه ابنها الوحيد الذي مضى مع المتعصبين من أبناء النحلة الإرهابية كما يسميها صاحب البيت الأبيض في بلد العم سام .
تلك العجوز تنتظر الأخبار ببراءة الطفل وهمة الشاب وهدوء الشيخ
وتسبح في ذكريات الماضي المتربع على حصن الذكريات
وتراودها أحلام الصبايا الحسان ليس في قدوم فارس نبيل على حصان أبيض
بل في انقشاع الغيمة السوداء المسدَلة منذ عقود على الوطن
الممتد من الخليج إلى المحيط ،، تترنح أفكارها تائهة بين خطابات عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي
وتلويح يد حافظ الأسد للجماهير العربية
ونداءات القذافي في يوم الفاتح
وسيجارة صدام وهو يطلق الرصاص في عرض عسكري بهي
، ربما وجدت التفائل الحي في تلك الأيام الخوالي من قبل الزعماء واستعدادهم لرمي اسرائيل في البحر المتوسط مع عدم تطبيقها على أية حال بينما اليوم تجد العكس تماما
فالعرب بزعمائهم ينظرون حتى تمطر السماء معاهدات توقع للتطبيع مع من كان في الأمس العدو الأبدي والورم السرطاني
وأصبح اليوم الجليس والنديم على كراسي السلام المنتظر بفارغ الصبر .. كل هذا كونته ذاكرتها المليئة بالأحداث وقصص ابنها عن الحال العربي في زماننا الغريب.
الأخبار تبدأ من لسان المذيع
وتستمع العجوز منصتة إليه فسمعها لم يعد كما كان
والتركيز مهم في هذه الأحوال ..
خبر بتناحر في العراق
وخبر برصاصة في قلب حمساوي أطلقها فتحاوي
وآخرى تراشقها أفراد المعارضة والموالاة في لبنان
وذاك الرابع يتحدث عن دارفور ومصائبها
وعن جيبوتي والزحف الأريتيري
والصومال وقتال الأسواق ..
مصائب في مصائب في مصائب .
أكل هذا ينتشر بين العرب؟؟ّ!!
فالمرأة العجوز توقفت عن سماع الأخبار بعد سقوط مذياعها القديم الموروث عن العائلة الكريمة بين يدي حفيدها الذي أغرقه في بركة مليئة بالمياه ..
وها هو المذياع الجديد يبث عليها أخبارا تدمع العين وتشطر القلب إلى نصفين على حال بني العرب الذي لم يتغير عما عهدته منذ العقود الفائتة .
أغلقت مذياعها ومضت تمشي بين مزارع النخيل
تفكر في غد مشرق ربما لن تراه على حسب تخمينها
فأخبارنا كلها قتل وسفك وتفجير ونحر وقطع رؤوس
،، أبعد الله عنا كيد الأعداء وشرورهم ،، تحدث نفسها ..
نظرت إلى مزارع النخيل وارتفاع أشجارها
وصمودها في وجه ما ألم بالبلاد من أمطار وإعصار وريح
وطابقته بما سمعته من أنباء الطواحين التي تمر على أشقائنا في الدم والدين
فوافقت على أن تأخذ جولة جديدة مع آخر الأنباء من الأذاعة المعهودة بأسخن ما حدث وأفظع ما نشر..
وعود على بدء
كلها أنباء تدفع المرء إلى البكاء و رفع راية الهم والغم على نفوس أشقاها الزمن وأبقى آثاره على الوجوه ..
هنا كان القرار السريع والحاسم من المرأة العجوز
والذي افتقده زعماء الأمة منذ الأيام الأولى للأزمات التي لم تتوقف أبدا ،، نادت حفيدها الصغير وأمرته برمي المذياع الجديد في البركة نفسها مع شقيقه القديم ،، فأيامها الأخيرة يجب أن لا تكدر بما يقصم ظهور الرجال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق