20‏/04‏/2009

عـنـدمـا خـطّ الـقــلــم (2) .. ذكريات كذلك .


(2)

حضارتنا وحضارتهم .. " وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ "
( مقارنة من دون بكاء على الماضي فقد جفت الدموع )


إلى صاحب العظمة - خليفة المسلمين - هشام الثالث جليل المقام..
من جورج الثاني ملك انكلترا و السويد والنرويج
إلي الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس
صاحب العظمة هشام الجليل المقام...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن
الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي
معاهد العلم و الصناعات في بلادكم العامرة،
فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل
لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم
لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل
من أركانها الأربعة وقد وضعنا ابنة شقيقنا
الأميرة دوبانت على رأس البعثة من بنات الأشراف
الإنكليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس
العطف وتكون مع زميلاتها موضع عناية
عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة،
و الحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن،
و قد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل
أرجو التكرم بقبولها ، مع التعظيم والحب الخالص..
من خادمكم المطيع
جورج الثاني
الرسالة واضحة ومغزاها أوضح ،، فهي في فترة الإشعاع العلمي الإسلامي العربي في ديار الأندلس والتي أصبحت واحدة من أهم الحواضر المعرفية في العالم في فترة العصور الوسطى المظلمة في أوروبا ( الكثير من الكتّاب الغربيين يحذفون " في أوروبا " لإيهام القارئ بأن العالم بأسره كان يعيش في جهل مطبق ) .. يقال أن الحضارة إن بلغت القمة فلا بد لها من سقوط وأنا مقتنع بهذه الفرضية أو الحقيقة إن صح القول ،، فكل الحضارات على مر الأزمان بلغت شأنا عظيما في كل المجالات ولكن مع ذلك تراجعت للتوارى عن الأنظار برهة من الزمن أو تنتهي نهائيا بسبب إبادتها من قبل عدوها واحلال دولة أخرى مكانها .. الإغريق والرومان والفرس والمسلمون بمختلف دولهم الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والأندلسية والعثمانية مرورا بالألمان في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وانتهاء بالسوفييت .. كلها حضارات كانت ذات قوة و بأس وتقدم شديد في شتى مجالات الحياة فبلغت الذروة في ذاك النطاق ولكنها انهارت لتكمل المسيرة حضارة أخرى وتمد الإنسانية بما توصلت إليه من تقدم في السباق التقني أو الصناعي أو حتى الفكري ..
لكوني مسلم عربي وهذا الكلام لا يخفى على أحد أرجو من الله أن ينتقل التقدم في مختلف المجالات إلى وطننا الإسلامي ليشمل الرقعة الممتدة من اندونيسيا حتى موريتانيا .. كنت قد قرأت سؤال يطرحه أحد الكتاب عن عودة الحضارة الإسلامية بجمالها وعلوها الراشدي ( الخلافة الراشدة والرعيل الأول من الصحابة ) ومحاولات المسلمين لإعادة هذا الرونق والجمال للأمة الإسلامية كان التساؤل يتحدث عن رأي المخالف في الحضارة الراشدة وإمكانية عودتها و عدم قدرة المسلمين في يومنا هذا الوصول إلى المرتبة التي وصل إليها الصحابة رضوان الله عليهم من الإيمان والفهم العميق للقرآن وتتلمذهم المباشر على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي عدم قدرتهم على بناء دولة شبيهة بالدولة الراشدة من حيث الأساس القوي على الأقل ،، بمعنى آخر فإن الدولة الإسلامية التي ينشدها المسلمون الدولة ذات القمة السامقة لا يمكن أن تتأتى إلا بشباب يشبهون الصحابة الكرام وهذا ما لا يمكن أن يحصل وبالتالي يستحيل بناء هذه الدولة المنشودة.. هذا هو رأي المخالف لصاحب الكتاب والذي رد عليه الكاتب بأسلوب جميل جدا .. يقول في بعضه : " إنه ليس صحيحاً -ابتداء- أن هذا المنهج الإلهي، يكلف النفس البشرية جهداً أشق من أن تطيقه أو أن تصبر طويلاً عليه. إنه منهج سامق فعلاً. ولكنه في الوقت ذاته منهج فطري. يعتمد على رصيد الفطرة، وينفق من هذا الرصيد المذخور. وميزته أنه يعرف طريقه منذ اللحظة الأولى إلى هذا الرصيد!. إنه يعرف طريقة إلى النفس البشرية منذ اللمسة الأولى. يعرف دروبها ومنحنياتها فيتدسس إليها بلطف؛ ويعرف مداخلها ومخارجها فيسلك إليها على استقامة، ويعرف قواها ومقدراتها فلا يتجاوزها أبداً؛ ويعرف حاجاتها وأشواقها فيلبيها تماماً؛ ويعرف طاقاتها الأصيلة البانية فيطلقها للعمل والبناء...وعلى كل رفعته ونظافته وسموه وسموقه... هو نظام "للإنسان". لهذا الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض. نظام يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها. وخصائص تكوينه وتركيبه بكل مقتضياتها. وحين تستقيم النفس مع فطرتها؛ وحين تلبي حاجاتها وأشواقها، وحين تطلق طاقاتها للعمل والبناء، فإنها تجري مع الحياة في يسر وطواعية؛ وتمضي مع خط الفطرة الصاعد، إلى القمة السامقة؛ وهي تجد الأنس والاسترواح والطمأنينة والثقة في خط سيرها الطويل. " والكلام طويل للشهيد سيد قطب في كتابه هذا الدين .
إذا الحضارة الإسلامية ببريقها الجميل الذي ملأ الدنيا في تلك العصور يمكن أن تعود في عصرنا هذا إن أعملنا جهدنا في إرضاء رب الوجود وإعمار أرضه بكل ما أوتينا من قوة وطاقة .. فالمنهج الإسلامي هو منهج الفطرة لا منهج سواه أبدا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق