15‏/04‏/2009

ذكريات الكـتابة السياسية (2)


بـضـع حـروب فـي أرضنا!! (2)




(2)

العراق وبعد سقوطه تحت يد الاحتلال الأمريكي أصبح مفتوحا لأنواع عديدة من الصراعات ،، فمعارك الجواسيس والاستخبارات الراعية لها والتنظيمات المسلحة ضد الاحتلال والصراع المذهبي والطائفي والقومي بألوانه المتعددة كلها قد ظهرت على السطح بعد التاسع من ابريل 2003م،، بعضها قد أثاره تجار الشعوب من لصوص الدينار وبعضها تجرأ على ركوبها من عشق الفتنة وسعى إلى دربها والكثير منها رتب الطامع الخارجي على إشهارها في وجه ذاك الشعب الذي قاسى واقع الحرب لعقود متتالية .

أزمة وسعت الشرخ في قلب الأمة العربية والإسلامية وغرست حرابها بكل قوة في نحر كل أمل نظر إليه من يأس من الحياة وشدتها وقسوة الصراع الدائر فيها فكل مظاهرة سارت في تلك الأيام وقبلها في مختلف دول العالم رافضة لمبدأ الحرب و صب الدماء لم ينظر إليها العالم الداعي كذبا لحرية الكلمة والخضوع لرأي الأكثرية ولو بنظرة تعالي وكبر .

في خضم المعارك الرئيسية والتي استمرت لـ 3 أسابيع متتالية كان تدفق المجاهدين العرب نحو العراق يكسب الحرب بعدا جديدا يشبه ما كان يحدث في أفغانستان أيام الجهاد ضد الروس فالعبور نحو المجهول بالنسبة لعدد منهم والعبور نحو الجنة بالنسبة للكثير كان هدفا يتمنى نيله من لم يستطع بلوغ أرض فلسطين المحاصرة بدول الطوق .
كنا ننظر لهؤلاء نظرة إجلال وفخر ،، فهؤلاء تركوا الدنيا وما عليها من أجل نيل رضاء الله عز وجل فمنهم من خرج دون علم أهله ومنهم من قطع سكون الليل بخطوات هادئة لكيلا تسمع وقعه خفافيش الحكومات التي كانت ترتعد في تلك الأيام خوفا من مصير مجهول أطاح بنظام شقيق لها في يوم من الأيام ،، أذكر صورة ذاك الفتى اليمني والذي لم يتجاوز على حسب تخميني 16 من عمره وقد وصل إلى مدينة الموصل قادما من الحدود السورية وهو يقول بأعلى صوته : أنا من القطر اليمني الشقيق قدمت مجاهدا لصد جيوش المستعمر الجديد .. لا أدري هل ما زال على قيد الحياة أم سُيّر به إلى سجون الظلام في أبو غريب أم أنه دُفن شهيدا في أحضان بلاد الرافدين.. العلم عند الواحد الأحد .

قصص كثيرة سردت عن بطولات المجاهدين العرب وكيف دافعوا عن بغداد في معارك أم قصر والمطار ونفق الشرطة والأعظمية وكيف طعنوا من الخلف وتركوا يواجهون الآلة العسكرية الأمريكية بأعتى مدمراتها وأصواتها المجلجلة .. كانت صور تقارير القنوات الفضائية عن مقابر الشهداء العرب وكيف ماتوا وتركوا يقاتلون بأسلحة رديئة الاستعمال وأحيانا غير صالحة تضع مئات علامات الاستفهام على جدية المبدأ الذي دعت إليه القيادة العسكرية العراقية المجاهدين العرب للقتال من أجله.

كمسلم وعربي كنت لا أملك أية إجابة عما يحدث ،، فكل الأجوبة عندي لا تتعدى حاجز رأي سمعته من هنا أو هناك ،، ولكنني كنت أثق وأنا الذي لم أتجاوز العشرين من عمري في تلك الفترة أن الأمريكان لم يأتوا إلى أرضنا العربية والإسلامية محررين ولم يزحفوا بجحافلهم الفولاذية لسواد عيون العربي وبشرته القمحية اللون بل جاءوا لمشروعٍ طُبخ على نار هادئة منذ فترة ليست بالقصيرة من الزمن ،، فمنطقتنا ككل كما يروي لنا جدنا الأكبر التاريخ كانت وما زالت مقرا لصراعات دائمة بين حضارات العالم القديم والحديث .

تنظيم القاعدة مجموعة من المقاتلين كانوا قاعدة جيش الدولة الإسلامية المستقبلية ،،يقودهم رجل قاد تنظيمات عربية جهادية في أرض أفغانستان في فترة الصراع ضد الجيوش الحمراء السوفيتية ،، نشأ التنظيم هناك وترعرعت أفكاره وتصلب عودها لتظهر على الساحة العالمية في نطاقه الحركي التنظيمي بعد شرارة عاصفة الصحراء وبناء القواعد الأمريكية في دول الخليج .. فإخراج المشركين من جزيرة العرب وتحرير فلسطين وتدمير مصالح أمريكا في المنطقة أهداف نادا بها تنظيم القاعدة و خطط وطبق ما أستطاع القيام به ،، حتى العراق كان للتنظيم ميدان فيه بعد 2003م ،، كيف لا وهو من ضرب أمريكا في عقر دارها فهل يهرب الآن وقد جاءت إلى مستنقع يمكّن التنظيم من ضرب عدوه في أكثر مناطقه حساسية .

في العراق كان التنظيم تحت قيادة جديدة اعلاميا قديمة ميدانيا وكانت تحت مسمى جديد يختلف عن المسمى المتداول لدى الجميع ،، فأبو مصعب الزرقاوي وجماعة التوحيد والجهاد كل أولئك ساروا على نهج الأب القاعدي في العداء ضد أمريكا واختلفوا معه في استهداف الطوائف الأخرى كالشيعة مثلا .. فالحرب الطائفية في العراق كانت تحتاج إلى شرارة بسيطة حتى تشتعل فعوامل الدهر وأفكار التكفير كلها كانت كزيت قابل للإشتعال في أي لحظة وخُطط فرق تسد كانت القاصمة التي تنتظر اللحظة المناسبة لنسف كل الروابط الأخوية بين المسلمين شيعتهم وسنتهم .

انهيار الجيش العراقي وحله من قبل سلطة الاحتلال جعل البلاد على كف عفريت كما يقال ،، ولكن في الإتجاه المقابل ساعد ذلك على تفرغ أفراد الجيش في تكوين أنوية تنظيمات المقاومة التي تركزت في بادئ الأمر في المثلث السني وانتشرت بعدها في معظم نواحي العراق ،، تنظيمات كثيرة أركانها ضباط خبروا الحروب الواحدة تلو الأخرى ونافسوا في صراعهم دولا قوية وجيوش مرعبة وبالتالي كانت لهم الغلبة في حرب العصابات التي أرهقت وما زالت ترهق فيالق الدمار الأمريكية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق