15‏/04‏/2009

ذكريات الكتابة السياسية !! (3)


بضع حروب في أرضنا !! (3)

في صباح مسقطي مشرق كانت للرطوبة يد في تخفيف شدة حرارته التي بدأت في كسر حاجز 40 درجة مئوية وصلني نبأ تفجيرات هزت مجموعة من المباني السكنية في العاصمة السعودية الرياض، في منتصف ليل 12 مايو 2003م أي بعد شهر تقريبا من سقوط بغداد كان وميض السيارات المتفجرة يقلب ليل الرياض إلى نهار.. أكثر ما شدني للبحث في تفاصيل الخبر عودة عمليات مارسها تنظيم القاعدة قبل فترة طويلة في أنحاء متفرقة من العالم ضد مصالح أمريكية إلى الوجود.. لم يتأخر تنظيم القاعدة في الإعلان عن مسؤوليته عن التفجيرات وعن تجنيده لمجموعة من أعضاءه لتفجير أنفسهم عن طريق أربع سيارات مفخخة ،، كان المستهدف على حد قول التنظيم مجموعة من المجمعات السكنية التي يقطنها أمريكيون وهذا ما نفته هويات أكثر القتلى والجرحى .. ثارت في مخيلتي العديد من الأسئلة بدأت تتزاحم أكثر فأكثر كلما تحدثت مع المقربين مني من أشقائي وأصدقائي وزملائي عن تنظيم القاعدة وعما يحدث في العراق من عنف غير مسبوق والذين تختلف أرائهم فبعضهم متعاطف مع التنظيم والكثير منهم ينفر من توجهاته ويعارض فكره وسلوكه ،، كانت أسئلة كثيرة يحتار معها المرء ويتيه عاجزا عن حسم ما تكالبت على تضييقه الظروف المتوارده الينا ساعة بساعة .. هل كان لغزو العراق وتداعياته يد فيما يحدث؟؟ ،، وهل استطاع تنظيم القاعدة أن يخترق الحواجز الأمنية السعودية وأن يمد يده نحو ما يراه هدفا له في السعودية؟؟ ،، وهل سيتقبل الشعب السعودي والمسلمين بشكل عام - كون السعودية تحتضن أقدس مقدسات المسلمين – ما يفعله التنظيم من ضرب لأهداف في بلاد الحرمين وإثارة القلاقل الأمنية في بلد تشهد توافد الملايين من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة ؟؟ وما هو سبب تركز المؤيدين والأعضاء في التنظيم في المملكة ؟؟ بعد هذا التفجير بدأ نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كما أسمى نفسه يزداد تدريجيا في السعودية وبدأت معه قوة الأجهزة الأمنية السعودية المدعمة بكل ما تحتاجه قوة أمنية تواجه حركة داخلية مشابهه لحركات التمرد في التصاعد أكثر فأكثر وهو ما أدى إلى الكشف عن أطنان من الأسلحة التي يعثر عليها مخبأة هنا وهناك ،، لم يقتصر الكشف على الأسلحة فقط فقد كان لحصار الخلايا النائمة المنتمية للتنظيم- والتي انتشرت في كل بقاع المملكة حتى أم القرى ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم - مكان في قائمة النتائج الإيجابية للأجهزة الأمنية السعودية ،،لكن مع ذلك فالتفجيرات لم تسكن طويلا ولم تستمر ليالي الرياض يسدل الليل عليها موجه المعهود فتفجيرات المحيا في الثامن من نوفمبر 2003م أشعلت شموع النور التي تضيء الليل ولكنها أيضا لم تنسى إشعال أخر شموع التعاطف بين الشعب السعودي وتنظيم القاعدة وذلك بعد مقتل الكثير من العرب والمسلمين في التفجير . عدت في ذاك الوقت إلى العبارة الجميلة التي تقول ( أنا أول القتلى وآخر من يموت) والتي تشعر المرء بالتحدي وقوة العزم والتفاؤل ،، فسرتها وحاولت تطبيقها على تنظيم القاعدة الذي قتل في معارك أفغانستان ودمرت معظم القواعد والمراكز التدريبية التابعة له ونسفت الكثير من مخططاته التي يحاول الانطلاق بها من بلاد الأفغان الجميلة،، فالتنظيم قد صعبت مهمته هناك ولكنها سهلت من حيث القدرة على نشر الفكر القاعدي ففكره انتشر كالنار في الهشيم بين الشباب المسلم ،، كان لنيران الحروب ووأد تطلعات الشعوب والدكتاتورية التي تعاني منها الكثير من الأنظمة في بلداننا العربية دور في نشر أفكار تنظيم القاعدة وظهور الكثير من الجماعات المسلحة على أساس هذا الفكر وبالتالي ظهرت مئات من التنظيمات المستنسخة فكريا عن تنظيم القاعدة توجه كل قوتها لتدمير عدوها الذي تحدده مع مرور الزمن والأيام ،، وهذا ما أخر موت تنظيم القاعدة الذي قتل كجسد في أفغانستان ولم ينتهي كفكر مازالت يقوم عليه تنظيمات تولد في أزمنة متقاربة جدا . تسارعت الأحداث في المنطقة وخاصة في العراق ،، فأسود المقاومة في العراق استمروا في تدمير الحلم الأمريكي ووقفوا سدا منيعا أمام أكبر الطموحات الأمريكية في المنطقة واستطاعوا بعد تكوين كتائب المجاهدين من جر القوات التي يتزعمها من ألهم من السماء كما يقول إلى مستنقع مليء بالأفخاخ والأشواك والوحوش الأسطورية إن صحت التسمية ،، زاد الوضع خطورة و تحركت الخلايا المعادية للغرب والمتواجده في القارة العجوز لتدمر مجموعة من القطارات في مدريد وتقتل أكثر من 190 شخصا وتطيح بكرسي أزنار عن سدة الرئاسة في اسبانيا،، لم تمر أيام كثيرة حتى اشتعلت معركة الفلوجة الأولى ..ويسير العالم بكل كياناته نحو طريق الدماء والبارود ونحو معارك لا نهاية لها يموت الآلاف من كلا الطرفين حابسا أنفاسه الأخيرة عن دنيا ملئت بقانون الغاب الذي يأكل ما يشاء من الضعيف ويلتهم كل ما اخْضرّ مما يشتهيه ويتلذذ عند رؤية بريقه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق