19‏/08‏/2009

ورقة وحيدة من الذاكرة ..


حملت حقائبي ومضيت مسرعاً ، حاولت طي ذكريات سكوني هنا منذ سنوات في رف منسي أغبر من ذاكرتي العتيقة .. لا أدري لماذا ! ربما كي لا أغرس إبر الوداع في مشاعري الهادئة!

طويت الخطوة تلو الخطوة و إنما هي خطوات معدودة في كم الخطوات الهائل في حياتي القصيرة وعمري المحصور بينها ..

بلغت مقصدي أمام برج الصحوة العتيد بعد أن أوصلني إليه أقرب اقربائي إلي فنظرت إليه نظرة تشوبها الكثير من علامات الإستفهام عن ماهية الوداع والهجرة والغربة ومقاصل الحياة العديدة ..

بعثرت أفكاري مسرعاً لعلي اركز قليلاً على نداءات أصحاب سيارات الأجرة المتحلقين هنا واستجيب لأحدها..

ها قد بلغت المدينة .. إنها غبراء مقفرة إلا فيما ندر .. تتخللها شوارع تجوبها الرمال وتتناثر في جنباتها أشجار السمر والغاف وبعض النخيل ، تداعب أغصانها رياح بحر العرب المحملة بالرطوبة وحبيبات التراب وتندس بينها كطفلة تلعب " المداسوة " في قريتي الساحلية القديمة..
قيل أنها مدينة وعاصمة لتلك التخوم ولا أدري لمَ سميت
بذلك ؟! فهي لا تعدو كونها مدينة بل أقل من مدينة مؤلفة من مجموعة من القرى الساحلية ..

تجاهلت كل ذلك ، نسيت معالم المدينة وبدأت البحث عن مكان يأويني ويأوي الآخرين القادمين ..

إنها الأيام تمر مراً سريعاً وكأن هناك من يجرها ويجبرها على إدارة عقارب الزمن بهذه السرعة العجيبة .. نسيت كيف حصلت على تلك الغرفة وكيف تقابلنا نحن الأصحاب الخمسة وكيف كانت بداية اللقاء وبداية العمل والتسكع في كل المتاهات الحياتية المتعددة ..

ها أنا ذا بين بيوت غريبة وأناس غرباء ، كلهم جاءوا من خارج هذه المدينة ، أصولهم ليست منها بل من الداخل لذلك هم يصطلون بنار العنصرية يومياُ من قبل سكان المدينة الأصليين .. ربما سأصطلي بنار الغرباء كذلك .. فكل غريب ليس مرحب به في هذه الحياة وتمارس ضده أنواع العنصرية جمعاء ولو كان إبن عرب وقبايل !

لا يهم .. فأنا أصلي صلاتين في مسجدهم فقط أعبر الطريق منه وإليه قافلاً وقادماً ،أحاول تثبيت نظري للأسفل أو الأمام حتى لا أنظر إلى البيوت عن اليمين والشمال ،، فأنا غريب ويا غريب كون أديب !

وأقضي معظم وقتي في العمل وأعود عند المغرب إلى غرفتي لأجهز للخروج نحو السوق أو أي مكان آخر خارج نطاق تلك البيوت .. فغرفتي مكان نومي فقط لا غير !
هي حياة أولئك الخمسة أجمعين لست أنا فقط فهم جميعاً يسيرون وفق هذا الجدول لا يحيد عنه إلاّ مجنون أو خائن في أعراف القوانين التي اتخذناها لتسيير نمط حياتنا القصيرة هناك .

كلنا نمضي هكذا منذ الصباح وحتى المساء إلى أن يأتي اليوم الآخر ليلف وحشة اليوم الماضي ويرديه في مهالك التاريخ المنسي ..

إنها تسير وتسير إنها الشهور وها هو يوم العودة إلى القرية .. نسيت كيف كان وداع اقرب الأقرباء وكيف كانت الإستفهامات تدور في رأسي وكيف كانت صيحات أصحاب سيارات الأجرة وكيف استقبلتها ؟!!

إنني أحمل حقائبي مسرعاً ، وأحاول طي ذكريات سكوني هنا منذ أشهر في رف منسي أغبر من ذاكرتي العتيقة .. لا أدري لماذا ! ربما كي لا أغرس إبر الكره في مشاعري الجافة!

كم هي قسوة الحياة ..تحول المشاعر من هدوء الماء إلى جفاف الصخر !

هناك تعليقان (2):

  1. رائعة كلماتك =)

    حفظك الخالق أين ما كنت

    ردحذف
  2. أشكرك أختي "درة الإيمان" على المرور والمتابعة ..
    حفظك المولى عز وجل .

    ردحذف