02‏/08‏/2009

هـل تـطورت الـعقيدة خـلال الـتاريـخ ؟؟

فصل من كتاب .. هل تطورت العقيدة خلال التاريخ ؟

في هذه التدوينة سأقوم بتلخيص فصل " هل تطورت العقيدة خلال التاريخ ؟ " من كتاب " من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر " لـ محمد قطب ..

كان أحد المسؤولين الرئيسيين عن فكرة تطور العقيدة خلال التاريخ وفكرة تقسيم التاريخ البشري إلى ثلاث مراحل : مرحلة السحر و مرحلة الدين ومرحلة العلم ، العالم الأسكتلندي السير جيمس فريزر مؤلف كتاب الغصن الذهبي والذي عاش بين عامي 1854 و 1941م ..كان عالماً باحثاً في علم الإنسان حيث درس أحوال القبائل البدائية في أفريقيا وآسيا وسجل ملاحظاته ومشاهداته ليخرج بهاتين الفكرتين .
تقول الفكرة الأولى – تطور العقيدة خلال التاريخ – أن العبادة تطورت خلال التاريخ من عبادة الأب إلى عبادة الطوطم ثم عبادة قوى الطبيعة ثم عبادة الأفلاك من كواكب وشمس وقمر إلى عبادة الأصنام إلى الأديان السماوية .. أما فكرة تقسيم التاريخ البشري فتقول أن السحر كان هو المسيطر على البشرية وأن أشخاصاً معينين في ذاك العصر قد أعطوا قوى خارقة يستطيعون بها الإحياء والإماتة والضر والنفع والتأثير في قوى الطبيعة وغيرها من القوى الخرافية حيث يتوجه إليهم الناس ويكون لهم سلطان كبير عليهم .
ثم ينتهي هذا الطور وتبدأ مرحلة الدين والتدين حيث تتحول الطقوس الخاصة بمرحلة السحر إلى طقوس تعبدية تقدم للآلهة المعبودة وتكون المعبودات على ما ذكر في فكرة تطور العقيدة خلال التاريخ: الأب فالطوطم فقوى الطبيعة فالأفلاك فالأصنام فالأديان السماوية .. تظل البشرية في هذا الطور المتسم بالجهل وبالعجز عن السيطرة على قوى الطبيعة إلى أن يتطور العلم ويستطيع إزاحة الجهل عن طريقة ويتمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة ويصبح العلم قائد الحياة بدلاً من الدين .
فريزر لم يكن وحده في محاولة تكريس هذه النظرية ، ففكرة التطور قال بها داروين وفكرة الأنتقال من طور إلى طور في قضية الدين حتى تنتهي بإلغائه اشترك فيها ماركس وفرويد ودوركايم ( العقل الجمعي ) ، وكان هؤلاء المفكرين وأفكارهم هم العمد الرئيسية في الفكر الأوروبي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث اشتد التهجم على الدين من كل النواحي .
استند فريزر في فكرته هذه على حال القبائل البدائية القاطنة في أفريقيا وآسيا وأن حالها هذا يمثل طوراً من أطوار البشرية عاشته في وقت من الأوقات ثم تحولت عنه المجتمعات التي ارتقت بينما بقيت القبائل البدائية على الحالة التي كانت عليها المجتمعات .. ثم بعدها افترض أن هناك خطاً تطورياً تصاعدياً في عقيدة ومراحل هذه المجتمعات والقبائل بحيث كل جديد أرقى من قبله وكل قديم أقل رقياً مما بعده .
يمكن في هذه الحال عرض شاهدين تاريخين يناقضان فكرتي فريزر ..
الأولى هي دعوة النبي ابراهيم وابنه اسماعيل لعقيدة التوحيد وانتشار هذه العقيدة بعد استقرار نبي الله اسماعيل في جزيرة العرب بين القبائل المنتشرة هناك ومن ثم انحراف العرب من ذرية النبي اسماعيل عن هذه العقيدة مشركين بالله يعبدون الأصنام والجن والملائكة وغيرها من أنواع الشرك .. بمعنى آخر أن تطور العقيدة - إن جربنا منطق فريزر – انتكس من عقيدة توحيد سماوية إلى عقائد أقل تجعل من الأصنام والجن وغيرها من الكائنات ألهة تعبد من دون الله وهذا يناقض المفهوم الذي سار عليه فريزر وداروين وماركس وغيرهم وتراكمات نظرياتهم والتي تقول بالتطور من الأقل رقياً إلى الأرقى .
الثانية هي قوم لوط وما كانو عليه من شذوذ ،، فهل وجود هذه الظاهرة في قوم لوط معناه أن البشرية مرت بهذا الطور من " الشذوذ " أو أن مجتمعات أخرى ستمر بهذا النوع من " الشذوذ " بالمفهوم المتعمق لدى قوم لوط ؟
ألم يكن أسلاف قوم لوط أسوياء فكيف يكون خط التطور للأسفل لدى هؤلاء القوم .. ألا يناقض هذا فكرة فريزر ؟
قصور كبير يعتري فكرة تطور العقيدة لدى فريزر حيث شواهد تاريخية مختلفة تناقض هذه الفكرة وتضع أمامها مئات علامات الإستفهام .

فريزر يحاول بفكرته هذه الإشارة إلى أن الدين ليس سوى صناعة بشرية بحته وأن الديانات السماوية طور من أطوار تطور الدين بمعنى آخر أن الديانات السماوية ليست سوى انتاج فكري بشري يأتي العلم بعدها ليزيحها عن الطريق ويستولي على العرش مسيطراً إلى آخر الزمان !
هذا هو المنطق العلمي الذي استخدمه فريزر في محاولة بحثه عن جواب لموضوع عقائد البشر حيث يمكننا القول أن بحثه هذا أثر فيه الخلفية التاريخية والفكرية للزمان والمكان والعقلية التي يستخدمها ،، ففريزر كما علمنا أوروبي خضع محيطه الديني لأفكار الكنيسة التي حجرت العقول أن تفكر وأوهمتهم أن منطقها كلمة السماء لا يمكن أن تُبدل أو حتى تُناقش وفريزر نفسه عاش في فترة خضعت فيها أوروبا لحمى أفكار إلحادية تنحر سلطة الكنيسة وتحاول الإطاحة بمعتقداتها فكان تأثره واضحاً للعيان في قضية التطور الأرقى للمعتقدات وجعل الدين صناعة بشرية لابد أن تزول بسلاح العلم .
بينما في ديننا فالتفكر والتدبر مفتوح والدعوة الصريحة إليه وردت في آيات عديدة لتجعل المؤمن متيقناً من مصادره الدينية خلاف الغربيين كفريزر وغيره الذين اتخذوا من المنهج العلمي ولي أساليبه طريقاً لنقض مرويات الدين أياً كان .
فالمنطق العلمي " الصحيح " يقتضي أننا اذا استيقنا – بعد التدبر والتفكر – أن الله هو الإله الحق وعرفناه بصفاته التي وصف نفسه بها واستيقنا أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا ينطق من عند نفسه فليس من المقبول أن نشكك فيما جاء عن طريق الوحي .. لذلك لا بد أن تكون المصادر الربانية في مقدمة أدلتنا وعلى رأسها .
والمصادر الربانية تقول أن آدم كان موحداً ولكن الإنحراف حدث بعد عدة اجيال من بعده ، والمصادر الربانية تقول كذلك أن اسماعيل كان موحداً وقومه الذين استقر عندهم كانوا كذلك إلا أن عبادة الأصنام انتشرت بعد ذلك وكذلك قوم موسى وعبادتهم للعجل بعد تصديقهم لموسى وقصة نوح والطوفان والأجيال التي جاءت بعدهم وغيرها كثير..
إذا فالقول بأن الإنسان بدأ مشركاً ثم تطور إلى أن بلغ فكرة الإله الأوحد قول لا سند له ..
وأخيراً أقول..
هناك إله واحد ، فرد صمد ..
العقيدة لم تتطور ولم تتغير خلال التاريخ وما تطور إلا عقائد الجاهلية ،، فهي صناعة بشرية يصنعها الضالون أنفسهم مخالفين العقيدة الربانية التي جاء بها الأنبياء فلذلك ارسل الرسل في فترات مختلفة ليدعون من ضل عن جادة الصواب ويذكرون الناس بعقيدة التوحيد الطاهرة .

تحيتي الطيبة للجميع .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق