04‏/08‏/2009

تــأمــلات فــي آيــات من سورة البقرة..



















"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ / وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ / قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ / قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ / وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"

نجد أن الله سبحانه وتعالى بمشيئته العليا يريد أن يُسلم لهذا الكائن زمام هذه الأرض ..
ويعطيه مفاتيحها من كنوز وخيرات ليبدع ويكون ويحلل ويركب ..
وأعطاه معها مواهب وأفكار وعقل يمكّنه من توظيفها في عمارتها واظهار نعمة الله عليه ..
كم هي عظمة المنزلة التي وهبها الله لهذا الإنسان..
وكم هو مقدار النعمة الكبرى التي اعطاها الله لهذا الكائن ..
وكم هي حجم المسؤولية التي وُكل بها ،،
يا له من تكريم شاءه له خالقه الكريم ..
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً "
انظر كيف هو الإنسان في هذا العالم وكيف هي خلافته في هذه الأرض وكم بنى وعمّر
ووظف الخيرات والكنوز والعقل لتشييد المعمورة جمعاء .
،،،،،،
ومن ثم ،، وبعد أن قال الله للملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ، تحدث الملائكة:
"أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "
توقع الملائكة بأن هذا الكائن القادم وبعد أن يُستخلف في الأرض سيفسد فيها ويسفك
الدماء ويسير في هذه الأرض لخرابها واحداث ما ترفضه النفوس الطاهرة ..
وهم وكما خلقهم الله ذوو نفوس بريئة تتصور الخير المطلق والسلام الكامل يتصورون
أن غاية الله من خلق الخلق التسبيح والتحميد المطلق فقط ولكن غابت عنهم حكمة الله
العليا من جعله في الأرض خليفة قد يفسد ويسفك الدماء ولكنه سيعمر الأرض وينمي الحياة
وينوعها ويطورها ،، سيسفك الدماء ، نعم ... سيفسد فيها ،، نعم ... ولكن هذا الشرالجزئي يقابله
خير كثير ."قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ".
،،،،،،
"وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"
هنا تتوالى النعم على هذا الكائن ،، تستمر هبات الله إليه ،، وتتعدد العطايا ..
شرف الله الإنسان بالعقل على باقي الكائنات ..
ومن ثم بالخلافة في هذه الأرض ..
وأمام الملائكة مرة أخرى يشرفه بالقدرة على الرمز بالأسماء للمسميات ..
وتسمية الأشياء والأشخاص بأسماء يجعلها رموزاً لتلك الأشياء والشخوص المحسوسة .
هي قدرة ذات أهمية كبيرة لدى بني الإنسان .. لو لم يهبها الله لنا لأحاط بناء عناء كبير .
علم الله آدم الأسماء ثم عرضهم على الملائكة فلم يستطيعوا معرفة الأسماء ورمزها بالمسميات
فما كان منهم وهم تلك النفوس الطاهرة إلا أن يجهروا بالعجز أمام ربهم بالتسبيح ..
"قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ "
فعقب سبحانه وتعالى ..
" قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ"
،،،،،

"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ "

وهنا يبدأ التكريم الأعظم لهذا الإنسان ..
يبدأ التكريم لخليفة الله على الأرض ،،
يبدأ التكريم لمن خلقه الله من طين ..
إنه التكريم في أعلى ما يُتصور ..
سجود الملائكة له ،، يرفعه الله منزلة أعلى من منزلة الملائكة
أنفسهم .. مَن خُلقوا من نور يسجدون لمن خُلق من طين ..
هل بعد هذا التكريم تكريم ؟!

(فَسَجَدُواْ) ..

سجد الملائكة أجمعين ..
إنهم تلك المخلوقات الطاهرة ..
إنهم من لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..

"إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.."
وكما قال سيد قطب رحمه الله :
"وهنا تتبدى خليقة الشر مجسمة: عصيان الجليل سبحانه! والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله. والعزة بالإثم. والاستغلاق عن الفهم." !

ها هو ابليس يكتب لنفسه أن يكون قائداً
لجحافل الشر عندما تبدت فيه تلك الخليقة
خليقة الشر والعصيان والإستكبار والعزة بالإثم..
لتبدأ المعركة بينه و جحافله وبين خليفة الله
في الأرض .
إن استسلم الإنسان لشهوته انتصر ابليس وأعوانه
وإن تمسك بارادته انتصر الإنسان ونال رضا الله ..

وتستمر المعركة إلى أن يرث الله ومن عليها ..

" وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.. "


* كتبت هذا المقال السريع بعد قراءتي لتفسير الآيات من كتاب " في ظلال القرآن " لـ سيد قطب ،، لذلك فتأثري واضح جداً بتفسير سيد قطب للآيات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق