23‏/07‏/2009

فـي الـتــحـول الـديــنـي لــدى الـعُــمـانــيين ..




من المقالات المميزة التي قرأتها خلال هذه الفترة ..
تـتحدث عن العمانيين وكيفية استقبالهم للدين الإسلامي وما هية الظروف التي
كانوا يواجهونها إبان تلقيهم للدعوة الاسلامية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ..
اديانهم ، وضعهم السياسي ، تاريخهم مع دعوات الأنبياء - عليهم السلام - وأشياء أخرى ..

فلنبقى مع الأستاذ خميس العدوي وجمال مقاله هذا ..
...........................................................................................
الحراك الاجتماعي
في التحول الديني لدى العمانيين
خميس بن راشد العدوي

التحولات الكبرى ترفض الفجائية:
دخول أمة ما في دين جديد يعدّ من التحولات الكبرى في الوجود الاجتماعي الإنساني، وهو ما حدث للعمانيين عندما أعلنوا دخولهم الإسلام بعد سبع سنوات تقريباً من هجرة نبيه من مكة إلى المدينة، وتطرح لنا الأبجديات التأريخية؛ العمانية وغير العمانية أنهم أسلموا طواعية، وتروى في ذلك رواية تقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث رجلاً إلى حي من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فقال: (لو أهل عمان أتيت إذاً ما ضربوك ولا سبوك) مسند البزار، وهي رواية لا أستطيع أن أثق بصدورها عن النبي، لما أقرأ فيها من صناعة متأخرة، حاولت أن تروّض أهل عمان لصالح الخلافة؛ أموية أو عباسية، الذين كان دأب تأريخهم –عموماً– النزوع إلى الاستقلال بأنفسهم.
في الوقت نفسه لا أستطيع أن أتجاوز الدلالة الكامنة في الرواية السالفة بأن العمانيين –وأقصد هنا حكامهم– سارعوا إلى الدخول في الإسلام، فهو أمر فيما يبدو متقرر بشواهد النقل المستفيض بين الناس بإسلام عبد وجيفر عقب وصول الرسالة إليهما من النبي محمد، وعلى كل حال؛ سواء سلّمنا بهذه الرسالة أم لم نسلّم، فإننا أمام حدث لا يمكن دحضه بسهولة؛ هو أن القادة الأزديين في عمان كانوا مسارعين إلى اعتناق الإسلام، كما أننا أمام سير من التأريخ لا يحدثنا عن شيء من ممانعتهم اتجاه الإسلام، لا بالقتال ولا بأي نوع آخر من الرفض.
وبعد؛ فإن كانت هذه المسارعة حادثة فعلاً، وأظنها كذلك، فمن حق المتأمل أن يتدبر لماذا حدثت.
أقرب تبرير متوفر لدى العامة يرجع ذلك إلى بركة دعاء النبي لأهل عمان عند إسلام مازن بن غضوبة، ومع كونه تبريراً عذباً إلا أنه لا ينتسب إلى التحليل التأريخي، لكون قصة إسلام مازن تكتنفها الصنعة بكثافة، وخاصة في تركيبها العجائبي منذ أولها، حيث تسدي إلى الوثن الحجري النصح لابن غضوبة بترك عبادة الأصنام واعتناق الدين الجديد، وهو ما يتنافى مع المنطق الكوني من جهة أن الحجارة لا تتكلم، ومع المنطوق القرآني الذي يرفض حديث الأصنام، وهو ما نص عليه في أمر النبي إبراهيم مع قومه، ويرفض أيضاً أن يكون منها أي نفع في الحقل الإيماني، كما جاء في محاجة النبي محمد قومه الوثنيين.
وهناك تبرير آخر يشتبه بالتحليل وما هو بالتحليل المسلّم في نظري، وهو أن العمانيين لديهم قابلية نفسية للتغيّر أكثر من غيرهم، ويُدلَّلُ عليها بأن العماني ما أن يخرج من بلده لا يلبث بعيداً حتى يتلوّن بالبيئة التي يوجد فيها، وما أن تأتيه موضة من الخارج حتى يتقمصها، وهذا كلام فيه مجانفة لسير التأريخ العماني، فالعماني يأبى الانصياع بسهولة للوافد إليه، وفي عالم الآن الذي يشهد التحولات المكوكية نجد المجتمع العماني من أكثر المجتمعات استعصاءً على الرضوخ أمام هذه التحولات بإيجابها وسلبها، ولما كان للعمانيين الوجود وقوة الوجود في شرق إفريقيا كانت حضارتهم هي السائدة على تلك الربوع، إذن ما نشهده في التأريخ العماني من تحولات لا ينم عن طبيعة تحولية وشيكة في النفس العمانية، بل هو أمر فرضته ظروف حراك اجتماعي سابقة عليه، وقاهرة تحول دون الثبات.
كل حدث تسبقه سلسلة من الأحداث أدت إليه، وعلى ذلك لا يمكن أن يفسّر هذا الحدث الكبير برغبة لذيذة في النفس هي حب الإسلام من أول نظرة، ولا بتصور عابر للنفس العمانية بما يجعلها مفارقة حقيقة النفس الإنسانية، وهي خصيصة الحفاظ على الذات، التي لا تهزم من الداخل بمقدار ما تركع مجبرة لإرهاقات الخارج.

السرعة النسبية والاستقلال؛ في التحوّل:
بداية؛ علينا أن نعرف أن إسلام ملكي عمان؛ عبد وجيفر هو إسلام القيادة وليس إسلام المجتمع، ولا يتأتى إسلام إقليم عمان الشاسع بين عشية وضحها، هذا النوع من الإسلام أقرب إلى الحلف السياسي منه إلى الانصباغ التام بالإسلام، بيد أنه وفر لمدينة الرسول تابعية عمان، وهي تابعية لم تودِ باستقلال عمان؛ فقد ظل نظام حكمها قائماً كما هو بزعامة ابني الجلندى، ومع ذلك أعطت المدينة أمرين:
– حلفاً سياسياً يمنع عمان من الدخول في حلف عدائي ضد الجماعة المسلمة الجديدة في المدينة وما والاها، فهو تأمين ثغر للدولة التي في طريقها إلى التشكّل، أو بالأحرى للمجتمع المسلم الجديد، فهو حلف سياسي بالمقام الأول، يَأمن جانب الإقليم من جهة، ويؤمن من جهة أخرى حدود الجزيرة الشرقية من الفرس الطامعين دوماً فيها، وإنك لتجد هذا الربط بين إسلام أهل عمان ومراسلة النبي ملوك فارس في بعض الروايات الكلاسيكية، وهذا الأمر استلزم أن يكون في عمان ممثل قوي عن النبي هو عمرو بن العاص، رجل السياسة المعروف، وأرطبونها الفذ [السالمي؛ تحفة الأعيان، وهذا حتى يضمن بقاء الحلف، وليؤكد للفرس أن عمان أصبح ولاؤها للمدينة، فالتحرك ضدهم في عمان هو جزء من التحرك العام الذي يقوده النبي في الجزيرة.
– مجالاً للدعوة الإسلامية، لأن أمر الإسلام قائم على الدعوة والاقتناع، وليس على الجبر والإكراه، فمنطق إسلام المجتمع دفعة واحدة بقرار حاكم هو منطق الاستكراه، وهو وإن كان قائماً في بعض تلك الأعصر، لكنه قد يتصور في مجتمع القبيلة المحدود، أما مجتمع الإقليم كعمان، الذي تتقاسم نفوذه العديد من القبائل، فلا أظن أن قرار قيادة آل الجلندى الأزديين نافذ دفعة واحدة في المجتمع العماني حينذاك، بل ما نجده أن إسلام قبائل عمان كان متأخراً عن إسلام آل الجلندى، وبدعوة من الملك الجلنداني جيفر، وهذا أيضاً استلزم أن يرسل النبي محمد لعمان داعية إلى الإسلام يدعى أبا أيوب ثابت بن زيد الأنصاري، وهو من مثقفي المدينة والأصحاب المقربين للنبي، إذ يقال إنه من كتبة الوحي [البلاذري؛ فتوح البلدان، لكي يعمل على نشر الإسلام بين العمانيين، إذ الأحلاف لا تؤدي الغرض الحقيقي للإسلام؛ وهو دخول الناس فيه، وإنما يؤدي ذلك الدعوة والتعليم، وهذا يحتاج إلى زمن ومكث بين الناس.
إذن إسلام أهل عمان لم يذهب بالاستقلال العماني، وإنما كان أقرب إلى الحلف الذي حقق أغراضاً متبادلة بين صحار عاصمة آل الجلندى والمدينة عاصمة المسلمين، ولم يكن كذلك بتلك الفورية التي قد يتصورها الكثيرون، وإنما هي سرعة نسبية مقارنة ببعض القبائل العربية التي وقفت ضد الدين الجديد.
ومع هذا علينا أن نمعن في تحليل الحالة العمانية أمام الإسلام فهي لم تبدِ رفضاً له ولا مواجهة، حتى لا نقف قبالتها وكأن العمانيين ضرب من النشوز خارج قانون حركة التأريخ في أمر الدعوات.

عوامل التحوّل الديني:
يمكنني أن أقول بأن للعمانيين في إسلامهم بهذه الصورة أربعة عوامل رئيسة هي:
1- الأديان السائدة آنذاك :
إن أردنا أن نرسم خارطة دينية في عمان قبيل الإسلام، فيمكننا أن ننظر فيها الأديانَ كالآتي:
أ. المجوسية: وهي دين ظل –على الأغلب– منحصراً في الفرس، ولم ينتشر بين العمانيين، لأمرين: أحدهما أنه دين المستعمِر، والثاني: وجود أديان سابقة له في الأرض العمانية، وليس في المجوسية ما يغري ليزاحم الأديان الموجودة، ولذلك لم تكن المجوسية عائقاً أمام الدين الجديد، بل في نظري كانت عاملاً من عوامل سرعة قبوله، إذ بالدخول فيه –حيث كان يتمدد بين العرب بسرعة مذهلة– تخلّصٌ من دين الخصوم، أو مناكفةٌ للمحتلين، هذا لو افترضنا أن له معتنقاً بين العمانيين.
ب. الوثنية: وكانت الدين المنتشر بين القبائل العربية، إلا أنها –فيما أرى– لم تكن ديناً بالمعنى المعهود كالهندوسية مثلاً، يحيطه إكليروس معيّن برجالاته ورموزه ونصوصه المقدسة، بل هي تسرب ساذج للصنمية، وتعبير أكثر سذاجة عن العلاقة بين الإنسان العربي والعالم الغيبي الذي يتصوره، ولذلك كشحها الإسلام وفضاً بمقاييس انتشار الدعوات والأديان، والعداوة التي أبداها الوثنيون أمام المسلمين لا ترجع في المقام الأول إلى عامل التشبث بالوثنية، وإنما الخوف على المصالح الأخرى كالجاه والنفوذ والسلطة والاقتصاد والتحالفات في العالم القديم، وهي أيضاً رغبة الملأ أكثر من رغبة المجتمع المقموع بحديد الملئية.
الوثنية في عمان هذا اطرادها، ولذلك إذا توافقت الظروف الأخرى مع الدين الجديد فالوثنية ليست بعائق أمامه، وهو ما أراه حاصلاً، إذ الدين الجديد جاء إلى عمان وكأنما تنتظره، وهذا ما أتحدث عنه آتياً.
ج. أديان أهل الكتاب؛ اليهودية والنصرانية: تظافرت الروايات التي تنقل خبر انتشار اليهودية والنصرانية في عمان، وقد استمرت اليهودية فيها إلى وقت قريب جداً، وأديان أهل الكتاب هي أديان نبوية، والإسلام هو الحلقة الأخيرة منها، وقد مهدت له بالألفة والتلقي بين الناس.
على أن هناك فارقاً بين اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب، حيث ترسّم للأولى أكليروس جعل منها ديناً مغلقاً أمام التغيير، ولهذا استغرقت اليهودية لتنتهي كلية من عمان أمداً طويلاً.
أما النصرانية في جزيرة العرب –وليس خارجها– فلم يترسّم لها إكليروس رغم وجود كتاب مقدس لها، فهي أقرب ما تكون إلى البساطة والسذاجة التي تحدثتُ عنها في الوثنية، وحتى كتابها الإنجيل الآرامي الذي كان يتعبّد به نصارى الجزيرة لعدم حياطته بالإكليروس تلاشى وانتهى تقريباً، وهو في جوانب من جوهره أقرب إلى الإسلام [الصليبي؛ البحث عن يسوع، ولذلك وجد الإسلام مناصرة عند بدايته من قبل النصارى، كما أن القرآن امتدحهم في أكثر من موقف.
هذا التقارب بين الإسلام ونصرانية الجزيرة العربية جعل نصاراها يذوبون بسرعة نسبية أيضاً في الإسلام.
والنصرانية فيما يبدو كانت منتشرة بكثافة في عمان قبل الإسلام، إلى درجة أن يذهب المؤرخ سالم بن حمد الحارثي [العقود الفضية إلى أن دين أهل عمان قبل الإسلام هو النصرانية، وهو رأي يعانق الصحة، ولا يلغي وجود بقية الأديان الأخرى؛ لأن الكلام يخرج مخرج العموم، ومع ذلك وجدنا مؤرخاً متقدماً؛ هو علي بن محمد البسيوي (ق:4هـ) يشير إلى ذلك [جامع البسيوي، حيث ذكر بأن من الأديان التي في عمان المجوسية ودين أهل الكتاب، ونبوية الدين النصراني مهد لقبول الإسلام كما أن روح البساطة والتقارب مع الإسلام جعل النصرانية تنتهي سراعاً من عمان مقارنة باليهودية.

2- حركة النبوات :
الدين النبوي لم يكن غريباً على الساحة العمانية، وقد شارك في نظري –وإن بطريقة غير مباشرة– من قبل في حسم الصراع لصالح العرب ضد الفرس.
ففيما يبدو؛ أن الديانة اليهودية دخلت عمان مع بدايتها وتوهجها، وذلك لأن النبي موسى جاء للقضاء على عبادة الأفاعي والثعابين، وهي عبادة كانت منتشرة بحسب المكتشفات الأثرية في عمان واليمن ومصر القديمة، وقد وجد في موقع سلوت ببهلا مجموعة من تماثيل الثعابين والأفاعي، وإذ إن موسى من أولوياته القضاء على هذه العبادة فمن الوارد أن يتعقب دعاتُه أو دعاةُ اليهودية من بعده هذه العبادةَ في المنطقة، ومنها عمان.
ثم لم تنقطع دعوات النبوات عن عمان، ورغم أننا لا نجد لها الدليل الصريح؛ باستثناء اليهودية والنصرانية، إلا أن في الأساطير ما يمكن أن نقرأه، ومن ذلك أن في عمان قبور أنبياء، سواء في الجنوب، أو في الشمال كالجبل الأخضر، ويذهب كمال الصليبي وهو باحث مسيحي متخصص في جغرافية أنبياء بني إسرائيل إلى أن النبي يونس كان من داخلية عمان [خفايا التوراة، وتحضرنا أيضاً باستمرار أسطورة مجيء النبي سليمان إلى عمان وابتداعه عشرة آلاف فلج، وهي أسطورة تشي بانتشار مملكة سليمان إلى أرض عمان، وهو أمر لا أستبعده مع عظمة هذه المملكة بحسب بعض المكتشفات وبحسب حضورها في الوجدان العربي كما يرويها لنا القرآن.
ولا أستطيع كذلك أن أهمل أثر هذه الدعوات النبوية في صراع العمانيين مع الفرس، وخاصة إذا علمنا أن اليمنيين تديّنوا باليهودية ولهم علاقة وثيقة بالنبي سليمان إذ أسلمت ملكة سبأ معه، وهم فيما يبدو قد أحضروا هذه الأديان إلى عمان في هجراتهم المتواصلة إليها، فليكن هذه المرة –أي في عهد الرسالة المحمدية– أيضاً يد للأزد اليمانيين في دخول الإسلام إلى عمان، وهو ما حدث.
وعلى كل حال؛ ما يمكن أن نأخذه من هذا هو أن عمان لم تكن بعيدة عن حركة النبوات، هذه الحركة التي كانت حاضرة في الوجدان العماني حينذاك؛ مهدت كثيراً لدخول العمانيين الإسلام دون مقاومته.

3- الصراع الفارسي العُماني :
يمتد الصراع الفارسي العماني في عمان إلى فترة طويلة، قد لا تقل عن الألف سنة قبل الإسلام، وهي حقبة كانت دُوَلاً بين العمانيين والفرس، تارة يتمكن العمانيون من إخراج الفرس، وتارة يتغلب الفرس على عمان، وهذا ما حدا بالمؤرخ أحمد بن سعود السيابي [أصول بيت المال أن يعتبر وجودين للفرس في عمان قبل الإسلام، الوجود الأول انتهى بالحرب الفاصلة بين العمانيين والفرس فيما عرف بيوم سلوت، والثاني بمجيء الإسلام وإسلام العمانيين.
ما يهمنا هنا أن روح التحرر من الفرس كانت تسري في العمانيين، وإذا نظرنا إلى مشهد يوم سلوت، وبالأحرى هو سلسلة حروب متواصلة كان أعظمها حروب سلوت، حيث بدأ التقهقر الفارسي والتوحّد العربي، وذلك في أعقاب الهجرة اليمنية الكبيرة؛ في خضم محاولة توحيد عرب الجزيرة تحت الراية الأزدية والقضاء على النفوذ الساساني الشرقي والروماني الغربي، وبالأخص أن الفرس كانوا يحتلون شريطاً طويلاً من سواحل الجزيرة، يبدأ من العراق وينتهي بالحجاز، مروراً بعمان واليمن، كان ثمرة ذلك الصراع أن توحّد العمانيون تحت راية أزدية تجسدت في شخصية شبه تأريخية عرفت بمالك بن فهم.
هذا الانتصار والوحدة العمانية وخروج الفرس من عمان على يد الأزد القادمين من اليمن، كان فيما يبدو حاضراً في الذاكرة العمانية، وخاصة عند بني الجلندى رؤوس الأزد، فلما ظهر الإسلام كانت عمان مرة أخرى تحت السيطرة الفارسية، وبينما نجم الإسلام يسطع وأتباعه ينقصون الأرض من تحت أرجل القبائل، والفرس في وهن من القوة وضعف من الأمر، كانت فرصة للعمانيين أن يتحرروا منهم بالتحالف مع هذه القوة الناشئة في الحجاز، كما تحرر أسلافهم على يد الأزد اليمنيين من قبل، وكانت الروح العربية تسري في نفوس العمانيين بحيث لا ترى غضاضة أن تدخل في حلف عربي كبير قبالة التخلص من الخصم التقليدي؛ وهم الفرس، ولذلك عندما جاء رسول النبي داعياً عبداً وجيفراً إلى الإسلام، كان نقاش قيادات الأزد ينصبّ حول هذا الجانب، فدرسوا وضع الدين الجديد وعلاقته بالعجم، فتبيّن لهم أن دعوة النبي ستظهر على العرب والعجم معاً [السالمي؛ تحفة الأعيان، فكانت الفرصة سانحة أمامهم كأنما ينتظرونها من قبل، وما أن أسلم عبد وجيفر ومن ورائهم قيادات الأزد إلا وعملوا فوراً على توحيد جهودهم وإخراج الفرس من عمان، وهم مستندون هذه المرة على القوة الإسلامية الناهضة بسرعة خاطفة يكاد لا تصدق.

4- السبق إلى السيادة :
يكاد يكون سنة في الأمم؛ أن الاحتلال الأجنبي لأي بلد يشرذمه قبائل وجماعات وأحزاباً، وهو الأمر الذي كان حاصلاً في عمان إبان ظهور الإسلام، فلم تكن عمان يومها متوحدة تحت قيادة واحدة، وإن كان الأزد هم الأكثر هيمنة، إلا أنها لم تكن هيمنة مطلقة، بل هناك العديد من القبائل التي كانت منفردة بأجزاء من عمان، يحول الوجود الفارسي دون تجمعها في قيادة واحدة.
اعتناق الإسلام أطمح الأزد الجلندانيين بأن تتجمع القبائل العمانية للقضاء على الوجود الفارسي من المنطقة تحت رايتهم؛ لأنهم الأقوى والأسبق إلى الدين الجديد، وخاصة أن النبي كان مدركاً موقعَهم في عمان، فخاطبهم دون سواهم.
وما أن أسلمت القيادة الأزدية حتى بدأ الأزد برنامجهم السياسي والعسكري في عمان، فقاموا بمراسلة القبائل الأخرى، ودعوتهم للدخول فيما دخلوا هم فيه، حيث وفّر لهم الإسلام الغطاء لتكون لهم القوة الغالبة في عمان، ولتوحيدها تحت قيادتهم، ولتحريك القبائل العمانية لإخراج الفرس.
وفعلاً كان لهم ما خططوا له، فأسلمت قيادات القبائل الأخرى، المهرة والشحر، ودبا وما والاها، وسائر القبائل، وما أن اكتمل الحلف العماني تحت القيادة الأزدية حتى تحركوا نحو الفرس فأخرجوهم من عمان.
وهكذا كما نرى أن الأوضاع كانت مهيأة لتحوّل العمانيين إلى الدين الجديد، وليس العجب في إسلامهم دون مواجهة قوة المسلمين الصاعدة، وإنما سيكون السير خلاف المنطق الاجتماعي لو أن العمانيين تلكأوا في إسلامهم، وحينها لقلنا إن العمانيين لم يكونوا واعين بحراك زمنهم، وإنهم مجرد مجموعة من البشر تعيش على هامش الوجود الأممي، إلا أن إسلامهم السلمي والسريع يؤكد البعد الحضاري للعمانيين، وأن تحولهم الديني اقتضاه واقعهم، وصدّقوا عليه بإدراكهم، ونفّذوه بأفعالهم.
..............................................................
المصدر

17‏/07‏/2009

اللــيل تــلــك الـحـكـاية الـطويـــلة ..

الليل قصة طويلة خلاله تُروى الحكايات وقبله تحدث الحكايات ..
في هذه الظلمة تهدأ النفس وتنجذب لسكونه المفعم بالسحر والجاذبية ..
لا ترى من الليل سوى أمواج من الظلام محاطة بأردية السكينة ولا تحيط
عيناك منه بغير بقايا الذكريات .. في تلك اللحظات يبدأ حديث النفس مع
النفس عن لحظات مضت وعمن مضى ممن عايش اللحظات ..

وليل كموج البحر أرخى سدولـه *** علـيّ بأنـواع الهمـوم لبيتـلـي
فقلت لـه لمـا تمطّـى بصلبـه *** وأ ردف أعجـازًا ونـاء بكلكـلِ
ألا أيّها اللّيل الطّويـل ألا انجـلِ *** بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثـلِ