30‏/04‏/2009

خاطــرة : الـبحـر مـدونــة الـزمـــان!!



كنتُ أقضي كثيراً من وقت فراغي على شاطئ البحر ،،
و كثيراً ما كنت أسبح في مياهه قبل أن يقام كرنيش الحيل
و يكثّف الزوار على شاطئه ..

وكنتُ – وأنا في سِنيِّ عمري الأولى – أقضي كثيراً من
وقتي باحثاً عن الرزق الذي يضمه ذاك الخليج
حاملاً " اللواسي* " و " اللياخ* " على
كتفي مع أبي – حفظه الله - والجماعة من أهل الحارة
دافعين بـ " الهوري* " إلى البحر في رحلة قصيرة ..

مرت الأيام وجرّت الشهور وعقَدتْ السنون على اطرافها
لتسير بنا إلى سن الشباب وزهرته لنعود إلى البحر
بقصد يختلف عن قصد الصيادين وهدف يشيح
بوجهه عن اهداف ممارسي الرياضة على شاطئه ..

عندما أقترب من البحر هذه الأيام أسمع همساً يتناقله أبنائه
وكلما اقتربت اميْزه شدواً جميلاً يعزف الموج ألحانه
و يطرب الأسماع على رماله الذهبية ..

أتأمل البحر وانصت إلى سكونه ربما ألتقط صوت نفس من
أنفاسه القادمة من خلف الخليج .. أيها الخليج ..يا من عبَرت سفن السلم والحرب مياهك ..
يا من حملت لنا أنباء الخير والشر ..
يا من رفعت فوق ظهرك جيوش الفاتحين والغزاة ..

ها أنا ذا أستقبلك وأتأمل انعكاس القمر على مياهك
وأداعب بين أصابعي ذرات رمال السِيف الذهبية ..

كم عمرك أيها البحر ؟ وكم من السفن خاضت عبابك ؟
وكم من البشر قذفت بهم في أرضنا ؟
وكم من الأمم جاورتك وعبثت بمياهك ؟؟

أيها البحر
أنت سجل التاريخ
وذاكرة الأمم
ومدونة الزمان !! ..



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*

مجموعة أسماء باللهجة العامية لبعض أدوات الصيد :

اللواسي : مجموعة أخشاب توضع تحت القارب وتُدهن بالشحوم لتحريكه من مكانه فوق الرمال إلى مياه البحر .

اللياخ : جمع ليخ وهي شباك الصيد .

الهوري : قارب الصيد ويطلق اسم هوري في اللهجة العامية لأهل البحر على القارب الخشبي التقليدي والذي يستخدم

المجاديف بدلاً من المحركات الحديثة .

29‏/04‏/2009

كـيف تــكونُ قـارئـاً عظـيـمـاً للــكتـب ؟؟!!


الكثير من الناس يعاني من عدم قدرته على التواصل مع الكتاب أكان تواصلاً مستمراً أو تواصلاً متقطعاً وهناك من يعاني من عدم تفرغه المطلق للقراءة بسبب مشاغل الحياة أو عدم تعودهم على الإمساك بالكتاب وفتحه والجلوس معه لفترة تطول أو تقصر !! قضية القراءة بمشاكلها المختلفة والتي تكثرفي عالمنا العربي قضية طويلة ومعقدة وذلك لأهمية القراءة كونها المصدر الأهم للمعرفة حيث كتبت عنها المقالات الكثيرة والكتب العديدة في جميع أفرع القضية ..
قرأتُ مقالاً رائعاً في موقع ركاز لـ سلطان الدويفن بعنوان " كيف تكون قارئاً عظيما؟ " أعجبني المقال فهممت بإدراجه في مدونتي ..
إلى المقال :


هذه عشر خطوات؛ لتطوير مهاراتكَ في القراءة؛ حتى تكونَ منَ المتمَكِّنينَ فيها، ولتصبح منَ القُرَّاء الكبار، اخترتُها لك - عزيزي القارئ - من بين عشرات المقالات باللغة الإنجليزية المنشورة في هذا الموضوع، وقمْتُ بترجمتها بتصَرُّف، وهي للمدرب المتخصص في التنمية وتطوير المهارات السيد: (Jim M. Allen جيم الين)، وتأتي على النحو التالي:

1- ليس منَ الضروري أن تكونَ قارئًا سريعًاً لتحصلَ على الفائدة:

فبعض الناس يقرأ بسرعات عالية، وآخرون يقرؤون بسرعات متوسطة، والبعض الآخر يقرأ ببُطْء؛ للحصول على كلِّ المعلومات، والسرعةُ في حقيقة الأمر ليست بالأهمية الكبيرة؛ بلِ المهم الحُصُول على الفائدة التي تريدها وتتوَخَّاها من قراءة الكتاب أوِ المقال أوِ المجلة، ودعوني أخبركم سرًّا، لا يُقال في دورات القراءة عمومًا، ودورات القراءة السريعة خصوصًا، وهو أن طبيعة وموضوع الكتاب تفرض عليك سرعة قراءته؛ حتى تستفيد منه الاستفادة المُثْلى، فالكُتُب التي تعتني بجمع المقالات مثلاً؛ ككتاب “مقالات لكبار كتَّاب العربية في العصر الحديث”؛ للشيخ محمد إبراهيم الحمد، والذي أنصح بقراءته؛ لما يَحْوِيه من فوائدَ جميلةٍ، ومقالات متميزة، والتي توجد نسخته الإلكترونية كاملة على بعض مواقع الإنترنت - يمكن قراءته بالطريقة السريعة، وأما عندما تتناول أحد الكُتُب الفقهيَّة المتخصصة، أو الكُتُب الفكريَّة العميقة لتقرأه، فطبيعة الكتاب تجبرك وتفرض عليك فرضًا أن تقرأه ببطْء، أو بسرعة متوسِّطة؛ حتى تستوعبَ ما فيه؛ لذلك فسرعة القراءة تتفاوت حسب طبيعة الكتاب وموضوعه، وتذَكَّر دائمًا أنَّ المهم هو الحُصُول على الفائدة، وليس إنهاء الكتاب بسرعة أو بسرعة عالية.

2- اعرف: لماذا تقرأ؟

فيجب عليك أن تعرفَ هدفكَ قبل القراءة، والذي بناء عليه تقوم باختيار الكتب التي ترتقي بإدراككَ ومعارفكَ، فهل أنت تقرأ للتسلية والمتعة؟ أو تقرأ للتعلُّم المستمر، الذي يطوِّر من مفاهيمكَ ومعارفك وقدراتك، ونظرتك للحياة والكون، والحكم على الأشياء، وبناء وتكوين شخصيتك الثقافية والقيادية والفكرية التكوين المناسب؛ حتى تكون مؤثِّرًا في محيطكَ والمجتمع من حولكَ؟

3- أنت لا تحتاج أن تقرأ عنْ كلِّ شيءٍ:

فليس كل كتاب، أو مجلة، أو بريد إلكتروني تحتاج إلى قراءته أو قراءتها، فمُعظم المجلاَّت والرسائل الإلكترونية في حقيقتها لا تحتوي على ما ينفعكَ؛ لذلك منَ المهم أن تتحكَّم فيما تقرأ، والوقت التي تبذله في القراءة، واخترِ الكتاب الذي يتناسب مع تخصصكَ واهتماماتكَ ومجالك الذي تريد أن تبرزَ فيه.

4- ليس منَ المهم أن تقرأ الكتاب أو كل شيء يقع في يدك:

فهل تقرأ كل المقالات في المجلة التي تقع تحت يدك؟ وهل تقرأ كل أجزاء وفُصُول الكتاب؟

في حقيقةِ الأمر إذا سرتَ بطريقة قراءة كل شيء، فأنت قد تقرأ فصولاً أو مقالات كثيرة لا تحتاجها فعلاً، فقط اخترِ الأجزاء المهمة منَ الكتاب، والتي يهمك قراءتها، وتتفق مع ما تبحث عنه من فوائد أو معلومات، وكذلك كنِ انتقائيًّا في قراءتك للمقالات، وقد ذَكَر أحد المفكِّرينَ الكبار أنَّ عقلكَ ينتج بحسب ما تضعه فيه، فهو كالطاحونة إن وضعتَ فيه قمْحًا جيدًا، أخرج دقيقًا جيدًا، وإن وضعتَ فيه غير ذلك، أخرج ما وضعته فيه، فاحرِص على ما تضعه في عقلك الذي يعتبر الأداة الرئيسة لك للحكم والتعامُل مع العالَم، والمشكلات، والتصوُّرات، والأفكار، وهو مصدر بناء شخصيتكَ، والأمر راجعٌ إليك، ولا يشارككَ فيه أحدٌ.

5- اختبر حالتكَ النفسية والمزاجية قبل أن تبدأَ في القراءة:

فحالتُكَ النفسية والمزاجية مهمة جدًّا قبل البَدْء في القراءة، وفي الأوقات المخَصصة لها، فعندما تكون صافيًا ذهنيًّا وغير مرهقٍ، فيُمكنكَ قراءة الكتب الدسِمة التي تحتاج إلى تركيزٍ كبيرٍ، وإن كنتَ تحس بالإرهاق أوِ التَّعب، فاخْتر ما يناسبكَ منَ الكُتُب السهلة والخفيفة، والتي لا تحتاج إلى مجهودٍ في قراءتها.

6- قمْ بترتيب أولوياتكَ في القراءة:

اجْعل قراءتك حسب أولوياتكَ، فإذا كنتَ تنوي تأليف كتاب، أو كتابة بحث أو مقال، فيجب أن تكون قراءاتكَ في الموضوع الذي تنوي الكتابة فيه، وهذه نصيحة مهمة جدًّا لمن أراد أن يستمرَّ في القراءة، وهو أن تجعلَ من ضمن أهدافك منَ القراءة إنتاج أفكار ورؤًى وتصورات جديدة، قد تتَّصف بالإبداع لما قرأت فيه وعنه، وذلك من خلال تأليف الكتب أو كتابة البحوث والمقالات، وهذا - من واقع التجربة والخبرة من قِبَل كثيرينَ - يدفعكَ للاستمرار في القراءة، وهو من أهم الدوافع فيها.

7- حَسِّن ورَتِّب وهَيئ مكان قراءتكَ:

فأنتَ سوف تقرأ وتستوعب بشكلٍ أفضل، إذا كان المكان الذي تقرأ فيه مرتَّبًا ومُهَيَّأ بشكلٍ يساعدك على القراءة، وتعتبر راحتكَ في وضعيَّة الجلوس عاملاً مهمًّا للاستمرار في القراءة، وكان علي الطنطاوي - الشيخ، والداعية، والأديب، والمربِّي الفاضل، وأحد أكابر القرَّاء العرب في العصر الحديث - قد رَتَّب وسائد بأحجام مختلِفة يضعها خلف ظهره، أو يَتَّكئ عليها حسب الوضعيَّة التي تساعده أن يكونَ في راحة تامَّة أثناء القراءة.

8- إذا بدأتَ في القراءة لا تتوقَّف:

اقرأ مباشرةً، ولا تتوقَّف إلاَّ لسببٍ ضروري وقاهرٍ يجبركَ على التوقف عن القراءة، وإذا انتهيتَ منَ القراءة وكان لديك أسئلة، عُد مرَّة أخرى لفصول الكتاب؛ للبحث عن أجوبة للأسئلة التي وردت في ذهنكَ، أوِ ابْحث عنِ الإجابة في كُتُب أخرى، وإذا كنتَ لا تملك أسئلة، فأنتَ في حقيقة الأمر قد حصلتَ على ما تحتاج إليه، والأسئلة مفتاح خيرٍ عظيم لِمَن أراد التطوُّر المستمر في شخصيته وتكوينه الفكري والقيادي، وأذكر أنِّي حضرتُ ملتقى التميز والإبداع الإداري، الذي نظمتْه الجمعية السعودية للإدارة، وعقد في مدينة الرياض في الفترة 8-10 صفر 1428 هـ، وكان من ضمن المشاركين في البرنامج العلمي البروفسور مايكل ماركورت، من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي ألقى محاضرةً بعُنوان: “القيادة في القرن الحادي والعشرين: الأسئلة أولى منَ الإجابات”، ومع أن مدَّة مشاركة البروفسور كانت ربع ساعة تقريبًا؛ إلاَّ أنها من أجمل وأروع المشارَكات في ذلك الملتقى، وعادتْ عليَّ شخصيًّا بفوائدَ جميلةٍ؛ وذلك لسبب يسيرٍ جدًّا، وهو أنَّ المحاضَرة - وبصورةٍ أساسية - تعطي منهجًا، ولا تعطي معلومات، ومَن يمتلك معلومات فكأنما امتلك قطعة ذهبيَّة، وأما مَنِ امتلكَ منهجًا فكأنما امْتَلَكَ مَنْجَمًا منَ الذَّهَب، وما أريد أن أصل إليه من خلال هذه القصة هو التالي:

مَن أراد التميُّز فعليه أن يدفعَ ثمن تكاليف أسئلة تبدأ بـ: “لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ وماذا لو؟ وهل؟ وغيرها منَ الأسئلة، ويبذل جهده، وتعبه، وعرق جبينه، وشيئًا من راحته النفسيَّة؛ للحُصُول على إجابات لتلك الأسئلة مقابل التميُّز والتفرُّد الذي ينشده؛ لأن ضريبته باهظة، خصوصًا مَن كان يريد نجاحًا وتميُّزًا ذا معنى حقيقيٍّ، وليس زائفًا، وفرق كبيرٌ بين المعنيينِ.

9- رَكِّز:

تذَكَّر جيدًا أنكَ تقرأ، ولديك هدف وغرض وغاية من قراءتك؛ لذا يجب عليك التركيز في المادة المقروءة، وإذا فقدتَ التركيز والاهتمام بعد فترة منَ القراءة، يمكنكَ أخْذ راحة، أو قراءة كتاب آخر،وقد كان المفكر الإسلامي الكبير مراد هوفمان يقرأ في الكتاب الصعب فإذا أحس بالإرهاق أو التعب ترك الكتاب الصعب وتناول كتاباً أسهل منه ليقرأه، والمهم هو أن تحافظَ على مسارِكَ في القراءة، وحسب المادة التي تقْرَؤها وترجو منها الفائدة الفكرية والذهنية لعقلك، الذي يتطوَّر بشكلٍ مستمرٍّ مِن خلال القراءة، والتَّعلُّم بالطُّرق المختلفة، ولا تنسَ أنَّ القراءة أهم طرق التعلُّم؛ كما تشير إلى ذلك الكثيرُ منَ الدِّراسات.

10- تدرب ومارس:

إنَّ القُرَّاء الكبار لم يولدوا مِن بين يوم وليلة ورأوا أنفسهم قراءً عظامًا؛ ولكنهم تعبوا وبذلوا الأسباب، وتعلَّموا من أخطائهم؛ سواء في اختيار الكتب أم طريقة القراءة، وفهموا واستوعبوا الدروس من خلال التجربة والخبرة والممارسة، وهذه الطُّرق التي ذكرتُها تعطيكَ جزءًا مُهمًّا وكبيرًا لتطوير مهاراتك في القراءة؛ ولكن يبقى الدور المحوري والرئيس والمهم عليك أنتَ - عزيزي القارئ.

القراءةُ ليستْ هواية كما يظن الكثيرون، ومِن سخف القول أن يجيبَ أحدُهم عندما يُسأل عن هوايته بأن هوايته القراءة، إنها منهج حياة متكامِل وضروري ومهم وحيوي، لمن أراد أن يكونَ مشعل نور وإضاءة، وقائدًا ذا أَثَرٍ في هذه الحياة.

وقبل الرحيل، هذه دعوةٌ لقراءة كتاب “عاشق”؛ للشيخ الدكتور/ عائض القرني، والذي يتحدث فيه عن قصته مع القراءة، وفوائد القراءة، ويستعرض بعض النماذج المبرزة في القراءة منَ السلف الصالح، وهو كتاب يجمع بين المتعة والفائدة، كَتَبَه الشيخ بأسلوبِه الأدبي الرفيع.


23‏/04‏/2009

ثلاثية أطياف الأزقة المهجورة لـ تركي الحمد ( قراءة عابرة ) .




كانت مسقط تتجهز لاستقبال احتفالات دورة كأس الخليج 19 ببعثات المنتخبات المشاركة حيث تزينت بحلة جميلة زاهية لتغدو كالعروس التي تلفح وجهها نسائم الهواء الباردة القادمة من الخليج العماني مبشرة بشتاء تقرع درجات حرارته قاع 14 درجة مئوية أو أقل بقليل فشتائنا هو نفسه صيف لندن كما سمعت عنه .
اجازة شهر تنطلق من نهاية ديسمبر لتعبر رأس السنة الميلادية وتتوقف عند طرف يناير كفيلة بفتح أبواب الفراغ على مصراعيها وإدارة محركات التفكير في الوسائل التي يملئ بها المرء وقت فراغه .. كانت الوسائل كثيرة لملئ وقت الفراغ كالسفر والتجوال وزيارة الأصدقاء والأقربين أو قضاء بعض وقت الفراغ في قراءة كتاب تأنس به النفس وتستريح .. قضيت حظاً من وقتي في التجوال والتفرغ لمنافسات كأس الخليج والتهيؤ للوقائع المباشرة في الميادين الخضراء وأخذت ما بقي من الوقت لأسبر اغوار كتاب اخترته بعناية وتقصيت أخباره قبل البداية .
لم تكن مكتبة المنزل فقيرة بالكتب بل على العكس من ذلك كانت مليئة بكتب كثيرة تحمل بين طياتها حبراً مصبوباً وجهداً طائلاً بذله أصحابها وفرغوه بين دفتيها لتتلألأ بنور العلم وتسطع بضياء المعرفة وتشع بمصابيح الثقافة والحضارة ولكن مع ذلك كانت في معظمها من النوع الدسم الذي يحتاج لإعمال عقل ونقاوة نفس وراحة بال لا تتوفر إلا في أصحاب الهمم العالية السائرين على درب العلوم وطريقها النوراني ..
أخذت نظرة عابرة على الكتب هناك وتقصيت أثر واحد منها يكون خفيفا لا بالدسم السمين ولا بالترف الهزيل ويحمل أحداثاً مشوقة تجرك بوقائعها إليها وتربطك بمدادها عليها .. فكان الإختيار على " ثلاثية أطياف الأزقة المهجورة " لتركي الحمد .
بدأت بجزئها الأول العدامة ومررت بجزئها الثاني الشميسي لأتوقف مع آخر صفحة من جزئها الأخير الكراديب لأنهي الثلاثية خلال خمسة أيام .. خمسة أيام بلياليها أغدو وأروح وأسير بين الثلاثية بأطيافها المهجورة وأشارك الكاتب بعض همومه واعترض على أخرى وأغضب لأخرى ، كان الكاتب يحملك معه ويأسرك بأسلوبه المتميز السلس الغارق في الخيال تارة وبراعة وصف الواقع تارة أخرى .
بدأ كاتبها بالعدامة حيث المقارعة السياسية والدخول في اتون العمل التنظيمي المحظور مروراً بالشميسي حيث الإنغماس في الشهوات ودعوات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وانتهاءاً بالكردايب والتي تضيق فيها نفس السجين وتحدثه عن المباح والمحظور و عن عالم الغيب والشهادة وعن متاهات العقل وسراديبه وعشقه للكشف عن كل شيء دون أي شيء .
الحكاية كما يقال عنها مذكرات للكاتب نفسه – تركي الحمد – عندما كان يخوض غمار التحولات الإجتماعية والفكرية والثقافية في المجتمع السعودي حيث الإنفتاح الذي أوجبه عصر النفط على المنطقة وجعل الجزيرة العربية وتخومها ساحة للصراعات السياسية والفكرية بقضها وقضيضها .
في الطيف الأول من ثلاثيته الذي أسماه بالعدامة جال بنا الكاتب مع بطل الرواية هشام العابر في حي العدامة بالدمام ،، ذاك الحي الذي يقع بالقرب من آبار النفط ومصافيه وموانيه وعند أسوار معسكرات الشركات الأمريكية بموضفيها من الأمريكان وغيرهم .. هشام العابر فتاً في المرحلة الثانوية من الدراسة يبلغ من العمر 18 عاماً مثقف جداً ، نهم في القراءة ، عاشق للفلسفة والفكر وتنظيماتها وتجمعاتها المختلفة ، منغمس في السياسة وتحليلاتها ، ومتأثر جداً بالعمل السياسي وأصدائه العابرة للجزيرة العربية من التخوم الشمالية لها في الشام ومصر وغيرها من بلدان العرب هناك .. ينتمي هشام لأسرة ثرية بعض الشيء ، يعيش حياة مترفة كونه وحيد أبويه ، منعزل إلا مع اصدقائه المقربين والذي يقضي معهم جُل وقته المتبقي بعد القراءة والإستماع لأخبار الديار العربية . في المدرسة يلتقي هشام بأحد أتباع حزب البعث من زملائه لينضم معه في العمل التنظيمي السياسي المحظور في السعودية ويدخل معهم – أصحاب التنظيم – في نقاشات مستمرة يخالفهم في معظمها ويتفق في بعضها . يتم اكتشاف التنظيم من قبل الحكومة وتبدأ حملة اعتقالات في صفوفه حيث ينجو هشام منها لبعض الوقت .
في الطيف الثاني والذي أسماه بالشميسي ينهي هشام دراسته الثانوية ليغادر إلى مدينة الرياض للبدء في الدراسة الجامعية ملتحقاً بكلية التجارة متخصصاً في الإقتصاد والعلوم السياسية ،، يعيش لبعض الوقت مع خاله وأبنائه في منزلهم في حي الشميسي بالرياض ،، خاله رجل صالح متدين له عدد من الأبناء بعضهم في عمر هشام وبعضهم أكبر منه ، يبدأ هشام في تلك الفترة الإنفتاح على عوالم أخرى في العاصمة الرياض تختلف تماماً عما عايشه في مدينته الدمام بين أبويه وأبناء عشيرته ، حيث يجره الإنفتاح الغير متوازن إلى الإنغماس في وحول الملذات هو وأبناء خاله من شرب للخمر وعلاقات محرمة مع بعض الفتيات ،، تتردى أحوال دراسته بسبب غرقه في مستنقع الخمر والنساء ليعيد تفكيره في نفسه وممارساته الخاطئه ..
في الجهة المقابلة كانت الحكومة مستمرة في الكشف عن شخصيات التنظيم واحدة تلو الأخرى حتى تصل إلى هشام الذي حاول الهرب من البلاد دون جدوى فقد تم اعتقاله في المطار .
الطيف الثالث والأخير من الرواية أسماه الكاتب بالكراديب والكردايب سجن في جدة ، يتم سجن هشام فيه بعد اعتقاله تدور في السجن نقاشات قوية بينه وبين عدد من المعتقلين من الشيوعيين والإخوان المسلمين وغيرهم من أصحاب التيارات الفكرية المختلفة ، يضيق السجن بهشام ليدخل في متاهات فلسفية وفكرية ونفسية عميقة جداً حتى يتخلص منها بعد اعترافه بتهمته بعد ضغط المحققين والسجانين بوحشيتهم المتعارف عليها في السجون العربية ليخرج من السجن بعد سنتين من اعتقاله ويجد الحياة والبلاد ومدينته وأهله وعائلته قد تغيرت وتحولت إلى الأفضل .
أخيراً أقول ..
لـ تركي الحمد كتب وروايات أخرى أذكر منها :
سياسة وفكر :
• دراسات أيديولوجية في الحالة العربية.
• الثقافة العربية أمام تحديات التغيير.
• الحركات الثورية المقارنة.
• عن الإنسان أتحدث.
• الثقافة العربية في عصر العولمة.
• ويبقى التاريخ مفتوحا.
• من هنا يبدأ التغيير.
• السياسة بين الحلال والحرام.
روايات :
• ريح الجنة.
• أطياف الأزقة المهجورة .
• شرق الوادي.
• جروح الذاكرة .

انتهيت من قراءة الرواية في خمسة أيام كما ذكرت سابقاً وهي جميلة رائعة مع غض النظر عن بعض أحداثها التي لا تنتمي للأخلاق والدين بصلة ..انتهيت منها وكان الشتاء يحتضن احتفالات رائعة بفوز المنتخب الوطني بكأس الخليج والمسيرات تجوب الوطن وصرخات الحناجر تشيع الفرحة في كل الأرجاء وتملأ الآذان لحناً شجياً يطرب الأسماع و يجدد الحب لـ عُمان بربوعها وللعامرة مسقط .

20‏/04‏/2009

قصة قصيرة .


(5)
في موطني العربي .. وتلك العجوز.


في يوم من الأيام وفي ربيع عام ينتظر صيفا شديد الحرارة والذي اعتادت عليه جماهير العروبة وسياسييها
وتآكلت بالصدأ الذي سببته رطوبته محركات الدبابات والطائرات في مخازن جيوشها
وتعرقت جباه العدو وهو يمشي بين حدائق المدن العربية الواحدة تلو الأخرى لينظر إلى المقاتل الأسمر في زيه العسكري فلا يراه،
كانت العجوز تحرك المذياع وتضبط الموجة على إذاعة لندن إن وجدتها ففي كل صيف تنقطع الكهرباء وينقطع معها الإرسال الإذاعي اللندني على نهج الخلف الهالك
ربما لعدم جودة المذياع الذي أهداها إياه ابنها الوحيد الذي مضى مع المتعصبين من أبناء النحلة الإرهابية كما يسميها صاحب البيت الأبيض في بلد العم سام .
تلك العجوز تنتظر الأخبار ببراءة الطفل وهمة الشاب وهدوء الشيخ
وتسبح في ذكريات الماضي المتربع على حصن الذكريات
وتراودها أحلام الصبايا الحسان ليس في قدوم فارس نبيل على حصان أبيض
بل في انقشاع الغيمة السوداء المسدَلة منذ عقود على الوطن
الممتد من الخليج إلى المحيط ،، تترنح أفكارها تائهة بين خطابات عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي
وتلويح يد حافظ الأسد للجماهير العربية
ونداءات القذافي في يوم الفاتح
وسيجارة صدام وهو يطلق الرصاص في عرض عسكري بهي
، ربما وجدت التفائل الحي في تلك الأيام الخوالي من قبل الزعماء واستعدادهم لرمي اسرائيل في البحر المتوسط مع عدم تطبيقها على أية حال بينما اليوم تجد العكس تماما
فالعرب بزعمائهم ينظرون حتى تمطر السماء معاهدات توقع للتطبيع مع من كان في الأمس العدو الأبدي والورم السرطاني
وأصبح اليوم الجليس والنديم على كراسي السلام المنتظر بفارغ الصبر .. كل هذا كونته ذاكرتها المليئة بالأحداث وقصص ابنها عن الحال العربي في زماننا الغريب.
الأخبار تبدأ من لسان المذيع
وتستمع العجوز منصتة إليه فسمعها لم يعد كما كان
والتركيز مهم في هذه الأحوال ..
خبر بتناحر في العراق
وخبر برصاصة في قلب حمساوي أطلقها فتحاوي
وآخرى تراشقها أفراد المعارضة والموالاة في لبنان
وذاك الرابع يتحدث عن دارفور ومصائبها
وعن جيبوتي والزحف الأريتيري
والصومال وقتال الأسواق ..
مصائب في مصائب في مصائب .
أكل هذا ينتشر بين العرب؟؟ّ!!
فالمرأة العجوز توقفت عن سماع الأخبار بعد سقوط مذياعها القديم الموروث عن العائلة الكريمة بين يدي حفيدها الذي أغرقه في بركة مليئة بالمياه ..
وها هو المذياع الجديد يبث عليها أخبارا تدمع العين وتشطر القلب إلى نصفين على حال بني العرب الذي لم يتغير عما عهدته منذ العقود الفائتة .
أغلقت مذياعها ومضت تمشي بين مزارع النخيل
تفكر في غد مشرق ربما لن تراه على حسب تخمينها
فأخبارنا كلها قتل وسفك وتفجير ونحر وقطع رؤوس
،، أبعد الله عنا كيد الأعداء وشرورهم ،، تحدث نفسها ..
نظرت إلى مزارع النخيل وارتفاع أشجارها
وصمودها في وجه ما ألم بالبلاد من أمطار وإعصار وريح
وطابقته بما سمعته من أنباء الطواحين التي تمر على أشقائنا في الدم والدين
فوافقت على أن تأخذ جولة جديدة مع آخر الأنباء من الأذاعة المعهودة بأسخن ما حدث وأفظع ما نشر..
وعود على بدء
كلها أنباء تدفع المرء إلى البكاء و رفع راية الهم والغم على نفوس أشقاها الزمن وأبقى آثاره على الوجوه ..
هنا كان القرار السريع والحاسم من المرأة العجوز
والذي افتقده زعماء الأمة منذ الأيام الأولى للأزمات التي لم تتوقف أبدا ،، نادت حفيدها الصغير وأمرته برمي المذياع الجديد في البركة نفسها مع شقيقه القديم ،، فأيامها الأخيرة يجب أن لا تكدر بما يقصم ظهور الرجال .

(3)
النازية .. الهولوكوست .. الحضارة الغربية .

المحاولة الألمانية النازية لإبادة يهود أوروبا في بداية ثلاثينيات القرن الماضي وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت لها آثر ما زالت متراكمة وبشكل يحير العقول ويثير الكثير من التساؤلات عنها .. كنا دائما ما نتابع في نشرات الأخبار تفاصيل المحاكم التي تقام ضد عدد من الكتاب الذين شككوا في عدد القتلى اليهود في تلك الأحداث .. ونقرأ في كثير من المقالات الأجنبية الكره الشديد لهتلر وحزبه ووصم أعداء أوروبا أو الغرب بشكل عام بالنازية دلالة على الدموية والعنجهية التي يقترفها أعدائهم من وجهة نظرهم ..
لماذا كل هذا الكره الشديد ضد النازية ؟؟ ولماذا هذا التبني والدفاع المستميت عن المحرقة اليهودية ؟؟ أليست النازية جزأ لا يتجزأ من الحضارة الغربية ؟؟
الحضارة الغربية الحديثة انفصلت عن الدين انفصالا شاملا ووضعت حاجزا ضخما بينها وبين الدين وكل ما يدعو إليه من قيم أخلاقية وإنسانية ،، هذه الحضارة وبعد الثورة الصناعية وتقدم الاكتشافات العلمية في مختلف أرجاء الغرب أصبحت حضارة مادية متطرفة لا تعرف سوى المادة مهما كان الثمن ،، المادية الداروينية العلمانية المتطرفة الشاملة والتي تعتبر الجنس الأبيض الجنس المتقدم جعلت من الإنسان أداة لتقدمها فقسمت بني البشر في مجتمعاتها إلى قسمين ،، قسم نافع وقسم ضار .. القسم النافع هو المهيمن والمسيطر وبالتالي الرائد في المجال الحضاري ،، والقسم الآخر هو القسم الذي يتحول إلى فائض يعتبر عالة على المجتمع الغربي وبالتالي يجب التخلص منه بشتى الطرق ولو بالموت أو التسفير .. إذا بهذه الطريقة يمكن القول أن لا قيمة للإنسان خاصة إن كان ضعيفا معدما في تلك الأرجاء وفي تلك الحضارة .. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك ترجح كفة القول بأن النزعة الإبادية لدى الغرب قد تأصلت بعد الانفصال الكامل بين الدين والدنيا في الغرب .. فنقل سكان أفريقيا إلى الأمريكيتين ونقل جيوش أوروبا إلى أرجاء العالم للهيمنة عليه وتحويلها إلى مادة بشرية وطبيعية ونقل الفائض البشري في أوروبا إلى جيوب استيطانية كما حدث في الجزائر وكندا وأمريكا وأستراليا وحتى جنوب أفريقيا ونقل الأقليات إلى عدد من البلدان كاليهود إلى الأرجنتين والهنود إلى عدة أماكن والصينيين إلى ماليزيا وبالتالي انفصالها عنها لتكوين سنغافورة المستقلة وابادة الهنود الحمر في أمريكا عن طريق البيض وإبادة الشعوب المسلمة في وسط آسيا عن طريق القياصرة والدكتاتور الأحمر ستالين ونقلهم وبالملايين إلى صحراء الموت السيبيرية والقضاء على الشعوب الأصلية في أستراليا والبرازيل كل هذه الأمثلة تدلل وبشكل واضح على أن النزعة الإبادية وتحويل الإنسان إلى أداة للوصول إلى الهدف أصبحت منغرسة في النفس الغربية ..
الكلام في الأعلى أردت أن أصل به إلى أن ما فعله الألمان النازيون باليهود في أوروبا ليس شاذا عن الحضارة الغربية بل يعتبر مكملا لأفعال الحضارة الغربية المادية في كثير من شعوب العالم ولكن الطريقة التي اتبعها الألمان في إبادة اليهود والموقف الذي وقفه النازيون ضد الكتلتين الشيوعية والرأسمالية والفترة التي حدثت فيها الإبادة ضد اليهود والجنس الذي أبيد (لهيمنتهم على الكثير من مراكز القوى في الدول المتقدمة) كل ذلك جعل الموقف الرسمي الغربي يقف مع اليهود ويوجه رماحه في النحر النازي وبالتالي يجعل من قضية المحرقة قضية مقدسة لا يمكن لأي كاتب المساس أو التشكيك بها ..
حتى أن مصطلح الهولوكوست قد أختير اختيارا دقيقا فهو مصطلح ديني يهودي يعني التضحية بالقربان للرب كاملا وبالتالي فأن الهولوكوست يعد من أكثر الطقوس قداسة .. وأن الشعب اليهودي هو القربان المقدس أي الشعب الأكثر قداسة .
خلاصة القول أن الإبادة الألمانية ليهود أوروبا لم يكن فعلا شاذا عن الحضارة الغربية فكل ما حدث هو استمرارية للنزعة الإبادية التي بدأت بالجنون الاستعماري الغربي للعالم وإبادة الشعوب الأصلية ونقل الفائض الغير نافع من القوميات المنبوذة في أوروبا إلى دول أخرى كفلسطين وأستراليا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وغيرها .

عـنـدمـا خـطّ الـقــلــم (2) .. ذكريات كذلك .


(2)

حضارتنا وحضارتهم .. " وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ "
( مقارنة من دون بكاء على الماضي فقد جفت الدموع )


إلى صاحب العظمة - خليفة المسلمين - هشام الثالث جليل المقام..
من جورج الثاني ملك انكلترا و السويد والنرويج
إلي الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس
صاحب العظمة هشام الجليل المقام...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن
الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي
معاهد العلم و الصناعات في بلادكم العامرة،
فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل
لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم
لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل
من أركانها الأربعة وقد وضعنا ابنة شقيقنا
الأميرة دوبانت على رأس البعثة من بنات الأشراف
الإنكليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس
العطف وتكون مع زميلاتها موضع عناية
عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة،
و الحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن،
و قد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل
أرجو التكرم بقبولها ، مع التعظيم والحب الخالص..
من خادمكم المطيع
جورج الثاني
الرسالة واضحة ومغزاها أوضح ،، فهي في فترة الإشعاع العلمي الإسلامي العربي في ديار الأندلس والتي أصبحت واحدة من أهم الحواضر المعرفية في العالم في فترة العصور الوسطى المظلمة في أوروبا ( الكثير من الكتّاب الغربيين يحذفون " في أوروبا " لإيهام القارئ بأن العالم بأسره كان يعيش في جهل مطبق ) .. يقال أن الحضارة إن بلغت القمة فلا بد لها من سقوط وأنا مقتنع بهذه الفرضية أو الحقيقة إن صح القول ،، فكل الحضارات على مر الأزمان بلغت شأنا عظيما في كل المجالات ولكن مع ذلك تراجعت للتوارى عن الأنظار برهة من الزمن أو تنتهي نهائيا بسبب إبادتها من قبل عدوها واحلال دولة أخرى مكانها .. الإغريق والرومان والفرس والمسلمون بمختلف دولهم الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والأندلسية والعثمانية مرورا بالألمان في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وانتهاء بالسوفييت .. كلها حضارات كانت ذات قوة و بأس وتقدم شديد في شتى مجالات الحياة فبلغت الذروة في ذاك النطاق ولكنها انهارت لتكمل المسيرة حضارة أخرى وتمد الإنسانية بما توصلت إليه من تقدم في السباق التقني أو الصناعي أو حتى الفكري ..
لكوني مسلم عربي وهذا الكلام لا يخفى على أحد أرجو من الله أن ينتقل التقدم في مختلف المجالات إلى وطننا الإسلامي ليشمل الرقعة الممتدة من اندونيسيا حتى موريتانيا .. كنت قد قرأت سؤال يطرحه أحد الكتاب عن عودة الحضارة الإسلامية بجمالها وعلوها الراشدي ( الخلافة الراشدة والرعيل الأول من الصحابة ) ومحاولات المسلمين لإعادة هذا الرونق والجمال للأمة الإسلامية كان التساؤل يتحدث عن رأي المخالف في الحضارة الراشدة وإمكانية عودتها و عدم قدرة المسلمين في يومنا هذا الوصول إلى المرتبة التي وصل إليها الصحابة رضوان الله عليهم من الإيمان والفهم العميق للقرآن وتتلمذهم المباشر على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي عدم قدرتهم على بناء دولة شبيهة بالدولة الراشدة من حيث الأساس القوي على الأقل ،، بمعنى آخر فإن الدولة الإسلامية التي ينشدها المسلمون الدولة ذات القمة السامقة لا يمكن أن تتأتى إلا بشباب يشبهون الصحابة الكرام وهذا ما لا يمكن أن يحصل وبالتالي يستحيل بناء هذه الدولة المنشودة.. هذا هو رأي المخالف لصاحب الكتاب والذي رد عليه الكاتب بأسلوب جميل جدا .. يقول في بعضه : " إنه ليس صحيحاً -ابتداء- أن هذا المنهج الإلهي، يكلف النفس البشرية جهداً أشق من أن تطيقه أو أن تصبر طويلاً عليه. إنه منهج سامق فعلاً. ولكنه في الوقت ذاته منهج فطري. يعتمد على رصيد الفطرة، وينفق من هذا الرصيد المذخور. وميزته أنه يعرف طريقه منذ اللحظة الأولى إلى هذا الرصيد!. إنه يعرف طريقة إلى النفس البشرية منذ اللمسة الأولى. يعرف دروبها ومنحنياتها فيتدسس إليها بلطف؛ ويعرف مداخلها ومخارجها فيسلك إليها على استقامة، ويعرف قواها ومقدراتها فلا يتجاوزها أبداً؛ ويعرف حاجاتها وأشواقها فيلبيها تماماً؛ ويعرف طاقاتها الأصيلة البانية فيطلقها للعمل والبناء...وعلى كل رفعته ونظافته وسموه وسموقه... هو نظام "للإنسان". لهذا الإنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض. نظام يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها. وخصائص تكوينه وتركيبه بكل مقتضياتها. وحين تستقيم النفس مع فطرتها؛ وحين تلبي حاجاتها وأشواقها، وحين تطلق طاقاتها للعمل والبناء، فإنها تجري مع الحياة في يسر وطواعية؛ وتمضي مع خط الفطرة الصاعد، إلى القمة السامقة؛ وهي تجد الأنس والاسترواح والطمأنينة والثقة في خط سيرها الطويل. " والكلام طويل للشهيد سيد قطب في كتابه هذا الدين .
إذا الحضارة الإسلامية ببريقها الجميل الذي ملأ الدنيا في تلك العصور يمكن أن تعود في عصرنا هذا إن أعملنا جهدنا في إرضاء رب الوجود وإعمار أرضه بكل ما أوتينا من قوة وطاقة .. فالمنهج الإسلامي هو منهج الفطرة لا منهج سواه أبدا .

عـنـدمـا خـطّ الـقــلــم (1) .. ذكريات كذلك .


(1)
عواصم عربية .. مصدرة للمعرفة وأخرى مستوردة لها .



القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ.. مقولة احتج عليها البغداديون !! كنت قد قرأتها في يوم من الأيام في مقالة أو كتاب لا أدري بالتحديد فالأيام بمرورها السريع تنسيك ما أقمت به صلبك من فطور الصباح فما بالك بكتاب أو مقال قرأته قبل شهور أو سنين ،، لا يهم فمقالي هنا يتعلق بأمر آخر ..
دولنا العربية تقسم إلى أقاليم مختلفة .. الخليج العربي واليمن والشام ومصر والعراق والمغرب العربي ودول أخرى تتبعثر في جنبات القارة السوداء أو السمراء كما يحلو للبعض تسميتها ،، لكل دولة من هذه الدول تاريخ وحضارة أثرت تأثيرا عميقا في الجانب الثقافي والمعرفي وإنتاجهما وفي الكثافة المعرفية بين السكان أنفسهم .. بغداد وبيروت ودمشق والقاهرة والخرطوم كلها قلب يضخ الدماء المعرفية إلى الأطراف الأخرى من الوطن العربي كعواصم الخليج والمغرب العربي .. فشعراء مصر كحافظ ابراهيم واحمد شوقي وكتابها كنجيب محفوظ وطه حسين وأحمد أمين وعلمائها كمحمد الغزالي وسيد قطب ومحمد عبده وغيرهم كلهم صدروا للوطن العربي معرفة وإنتاجا غزيرا ما زال يتداول وبشكل كبير بين جنبات المكتبات في معارض الكتب في العواصم العربية ونفسه ينطبق على شعراء العراق وكتابها كالسياب والجواهري وبيروت بإيليا أبو ماضي وجبران ودمشق بنزار قباني وغيرهم في الخرطوم وعمّان ومختلف العواصم الفائضة بالإنتاج الغزير من مداد الأقلام والفكر ..
عواصم الخليج والمغرب العربي ربما لكونها عواصم في دول ذات حضارات جبلية وصحرواية وبالتالي تختلف عن الحضارات النهرية والتي تعتبر مجمع الشعوب ومقصدها من مختلف الأجناس كانت حتى وقت ليس بالبعيد مستوردة للمعرفة والفكر من العواصم المصدرة لها .. لا يمكن أن ننكر أن هناك كتّاب متميزون في هذه الدول كالطائي مثلا في عمان و العتيبة في الإمارات والقصيمي في السعودية وكذلك مالك بن نبي في المغرب العربي .. هذه الأسماء كانت تقف بمجموعها الضئيل أمام أسماء العواصم المصدرة وبالتالي لم تتمكن من إقامة توازن معرفي معها ليحدث ما عنونت به هذا المقال .. عواصم مصدرة وأخرى مستوردة ..
ترجيح الكفة المعرفية في الإنتاج لصالح دول الحضارات النهرية بدأ يتراجع قليلا لتحدث دول الحضارات الصحرواية والجبلية توازنا ولو بسيطا بعد التواصل المعرفي العميق والقوي بين شعوب هذه الحضارات العربية في فترة النماء الإقتصادي النفطي الخليجي والترابط المعلوماتي الإنترنتي العالمي الذي نشهده اليوم..
في أيامنا هذه نجد أنتاجا بدأ يتصاعد إلى الأعلى تدريجيا في دول الخليج العربية والتي أنتجت كتابا ذات صيت متميز بدأ ينتشر في أرجاء الدول العربية كالقصيبي والحمد في السعودية والسويدان ( بمؤلفاته بمختلف موضوعاتها) والعسكري بمجلته العربي في الكويت وشعراء البحرين وعمان والإمارات .. والتي تزداد انتشارا بالتواصل الشبكي العالمي المعرفي .
إذا يمكننا القول أن هناك تبادل معرفي بين العواصم العربية المصدر فيها العواصم النهرية والمستورد العواصم الصحراوية والجبلية ولكن مع عصر الإنترنت بدأت الكفة تتراجع لصالح العواصم الصحراوية الجبلية مع تفوق النهرية إلى الآن ..

17‏/04‏/2009

يـوم تـركتُ الــصـــــلاة.


مقال جميل جداً للأستاذ نجيب الزامل يتحدث فيه عن رحلته الفكرية والشد والجذب بين نفسه والدين والفكر وطغيان أحدهما على الآخر حتى الرسو على شاطئ الهدى والعودة إلى نور الدين وقرة عينه بالصلاة ،، إلى المقال .


يوم تركتُ الصلاة..
نجيب الزامل






"السرّ في الصلاة أنها لا تغير العالم. الصلاة تغيرنا نحن.. ونحن نغير العالم."
.. كنتُ شابا صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كل مكان، في كل كتاب، في كل نقاش، كانت أيام الثانوية أصعب أيام، وهي أيام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعي، وأخذتني المدارس واستلهمت كبار مفكري العالم، فانقطعت مدة طويلة متبتلا بالفكر الألماني، ومع أني أقرأ من صغري بالإنجليزية، إلا أن تراجم الإنجليز لجوته، وتشيلر، وكانت، ونيتشه، وريلكه، أخذت بلبي، ثم تعرفت على شبنهاور فصقل فكر نيتشه في رأسي عن عنفوان القوة، وعدل البأس والجبروت، وكأنه دين يُبَشـّر به، أخذني نيتشه إلى مسوغاته، ومبرراته الصعبة التي كانت بمشقة تسلق جبال بافاريا، وكانت القمة هي ما أسماه مصطلحا "بالإرادة العلـّية"، ثم قذفني إلى شواطئ برتراند الرسل المتصوف المادي الرياضي، وهـُمْتُ بعد ذاك بمدارس الفابية مع برناردشو في شقـِّهِ الجاد، وتبتلتُ مع إنجلز.. وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيدا عن الروح المتصلة بالسماء، حيث اليقين كل شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنها طاقة الوجود، فضعت كثيرا، وتجبرت بما سفحت من معلومات وكتب وظننت أني في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأني خيميائي المعرفة.. ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينية في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي.. ونفضتُ عني ما حسبت وقتها أنه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر. .. ثم تركتُ الصلاة.
وكان مدرسي, يرحمه الله, في اللغة العربية رجل من غزة متدين، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، حتى انتزعتني أفكار الوجودية، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات، وصار يقف ضد هذا التوجه ويحذرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. ارجع إلى منبعك وانهل منه، وتقو، ثم رِدْ من كل منهل، وستجد أنك ستتذوقه وتعرف مكوناته، ولكن لن تدخله جوفك لأن ذائقتك المعرفية المتينة من بنيان تشربك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.. ولكني تماديت، وشعرت أنّ موجة مشرقة أخذتني منه بعيدا تاركا له كل بحار الظلام..
وأنا في طريقي المادي الجديد، بدأت في سن السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصا كبيرا في بلادي ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، ودار اسمي تحت اسم المفكر المتحرر.
وكانت كتاباتي تنضح عما في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا علي بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان, الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا.. وانفتنتُ بنفسي.. وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.
" لماذا لم تعد تصلي ؟ " سألني أستاذي بحدة عميقة، فأجبته : " وهل تغير الصلاةُ العالم؟ " فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة.. "نعم الصلاة لا تغير العالم، ولكنها تغيرنا فنغير نحن العالم".. ولكني صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.
مرت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتنا لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقسا ضوئيا، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان.. جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل. ..
.. ويوماً مرضتُ.. وقال لي الطبيب : " آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر "..
كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيدا إلى تلة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعا أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيرُ شيئا؟". ورحت متأملا، والدموع تنفر فتغطي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي: " الصلاة تغيرنا، ونحن نغير العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ علي. " لقد استردك الله.. عش مطمئنا."
أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أن الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن معناه النهائي في السماء لا في الأرض..
ولم أمُتْ.. حتى الآن.

15‏/04‏/2009

ذكريات الكتابة السياسية !! (5)




لكل بداية نهاية ولكل ظالم زوال ولكل طغيان قبر ولكل باطل حق سيزهقه ويرديه إلى حفر النسيان

لست هنا لأحكي الحكايات أو أسرد القصص أو أكتب الروايات عن تلك البلاد أو تلك الحضارة أو تلك الإمبراطورية ولكنني أتيت لكي أحدثكم عن فكرة انبثقت من عقل آدمي وترجمت إلى فعل وعمل أنتج بعدها دولةً واتحادا عظيما تبناه الملايين من أبناء هذه المعمورة ونافسوا بفكرهم أعداء لهم كانت لهم أفكار مضادة بنت هي الأخرى دولا وإمبراطوريات ، كلتا الفكرتين وكلا المشروعين تصادما فيما بينهما وكانا متضادين في معظم الأشياء ولكنهما اتفقا في مسلك واحد وهو قمع الشعوب وإغاثة المجرم وقتل المستضعف ..
سأسيّر يراعي ليخط أناشيد العمال الكادحون وآمال شعوب عشقت الحرية فلجأت بقصد أو بغيره إلى المملكة الحمراء التي نادت بأعلى صوتها يا عمال الأرض اتحدوا ،، ومن ثم لجأت إلى بلاد الانكل سام لتجد ما لم تكن تتوقعه .
ثورة حمراء أو بلشفية أو لينينية لا أدري..
تعددت الأسماء والمصير واحد ، ظهرت كفكرة دونها ماركس وإنجلز فألفوا في سبيلها الكتب وصاغوا النظريات ودونوا السطور الواحد تلو الآخر، أقاموا جسور التواصل بينهم وبين كل ما يساند فكرهم ،، حتى داروين الذي أرجع أصل الإنسان إلى قرد رفعوه فوق أكتافهم وجعلوا من نظريته أساسا لفكرهم القائم على الإلحاد..
مرت الأيام والسنين وظهر لينين حامي البروليتاريا والمنادي بالشيوعية الحمراء فأصبح المبلغ والناشر لرسالة الإلحاد والتمزق والانحلال ،، فكان ما كان ،، أعتقل ثم نفي ثم عاد ،، ولكن عاد محملا بالخبر الحزين للقياصرة والبشرى لدعاة الشيوعية فقد قلبت الطاولة على الملوك وتوج الحمر بالنصر المؤزر ودوت صيحة الرايات الحمراء ،، يا عمال العالم اتحدوا،، فكرة فكتاب فعمل فنشر فهمة فثورة ،، طريق وعر مليء بالأشواك ومليء بالصعاب ،، كل ذلك من أجل فكرة أراد صاحبها أن تنتشر فانتشرت وأراد صاحبها أن تكون عملا فكانت ،، ليت شعري كيف هم أصحاب الأفكار البالية يسطرون ويجتهدون من أجل تطبيق أفكارهم ويضحون من أجلها بكل ما لديهم ،، بينما نحن أبناء الرسالة الخالدة والشريعة السمحاء نبيت كل ليالينا في لعب ولهو والعالم ينتظر الخلاص من الظلم إلى العدل بهذه الرسالة الطاهرة.
نداءات وبيانات وشعارات تصدر من معقل الشيوعية موسكو لكل فرد على هذه المعمورة في خضم الحرب الباردة وفي فترة التصادم والغزو للعقول المتقبلة لكل فكر غث كان أو سمين ،، رسالة وجهت لكل من يحاول الوقوف في وجهة الزحف الأحمر : كن معنا أو ضدنا إن كنت معي فأهلا بك في الجنة السوفييتية وإن كنت ضدي فلتنعم بجحيم الإمبريالية العالمية ..
كلمات ظهرت ولكنها اختفت مع اختفاء قائلها والمنافح عنها، بعدها بسنوات وسنوات جاء من يقول كل من هو ضدي فهو مع الإرهاب العالمي..
متشابهة في معانيها ومسلكها ومنهاجها كأنها انطلقت من نفس العقلية والمنبع، وربما ستكون إلى نفس المصير.
الإتحاد السوفييتي أعظم دول العالم مساحة في فترة من الفترات ، حكم معسكره بأعتى أنواع الحديد والنار وقتل من قتل ،، فأربعة ملايين إنسان ماتوا قهرا في صحراء سيبيريا الباردة وفي فترة حكم طاغية من طواغيتها المسمى بستالين يسطر في صفحت التاريخ أنها قد قامت على جماجم الأبرياء والفقراء ،، كل من دخل إلى معتقلاتهم المشئومة لم يخرج منها إلاّ بمعجزة خارقة لما هو مصدق ،، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود شعارات عايشها العرب في سجونهم الأشد هولا وجرما ،، حضارات وإمبراطوريات خلخلت فطرة الإنسان وجعلت من المجرم سيداً ومن الشريف عبداً ومن المؤمن ملحداً ومن الكافر ملكاً يحكم بشهواته وطغيانه .
هذا ما كان من تلك البلاد الحمراء وكان مصيرها إلى زوال ..
كان عدوها اللدود حامي الإمبريالية العالمية كما تسميها هي، بلاد العم سام بلاد المحيطين والساحلين وأرض الأحلام في عُرف الهاربين من جحيم المعسكر الشرقي، هذه البلاد كانت في يوم من الأيام مستعمره للإمبراطورية المشرقة بشمسها الدافئة ،، كانت تحت وصاية التاج البريطاني ،، فثارت وأبت إلا ان تستقل وتبني مجدها بنفسها لتكون بيضاء خالصة شعارها الأول الحرية للجنس الأبيض وليمت كل من وقف أمامنا ولو كانت النتيجة إبادة ملايين من الهنود الحمر كما أسماهم كروستفر كولومبس حين ضل الطريق ليجد شعوب رقصة المطر ينتظرونه ويستقبلونه بكل حفاوة وترحاب ،، قامت بلاد العم سام واشتقت اسمها من Uncle Sam فتصبح اختصارا كما نعرفها اليوم U.S.A أو الولايات المتحدة الأمريكية ،، انتخبت بعدها أول حاكم لها جورج واشنطن الرئيس الأمريكي الأول على عرش نواة الإمبراطورية الحالية ،، هناك على ضفاف المحيطين الهادي والأطلسي بدأ المشوار وبدأ تنفيذ الخطة ،، السيطرة على الأقاليم والاستحواذ على الكنز كاملا ،، إنها خطة القرصان الأكبر الذي يستولي على سفن اللصوص فيفوز بكنز مليء بمئات الكنوز ويربح جهد اللصوص الصغار ،، هذه هي الإستراتيجية الأمريكية وهذه خطتها التي اتبعتها حتى في حربها ضد النازية في الحرب العالمية الثانية ،، لقد انتظرت حتى تضعف القوى الخمس ألمانيا وإيطاليا واليابان وفرنسا وبريطانيا لتتدخل هي في الأخير وتكسب الحرب وتنطلق بعدها الى العالمية مع عدوتها روسيا السوفيتية ،، أمريكا تلك البلد التي جعلت من العالم مزرعة للدجاج تبيض ذهبا لمد اقتصادها بترليونات الدولارات وتجتاح كل ثروات العالم لتسيطر على كل ذهب الأصفر منه والأسود ،، أمريكا بلد يعيش على المصالح ويسيل لعابه على كل درهم من المال كبر أو صغر ،، سيطرت على العالم ودخلت في صراعات طاحنة دائما ما كانت تخرج منها رابحة لم تتكبد الهزائم ولم تشم رائحة الحزن والضياع ،، سيقول قائل ألم تقرأ عن حرب فيتنام،، أقول له بلى قد قرأت وتدبرت في كينونتها فوجدت أنها معركة هزمت فيها أمريكا في حرب النصر وردت الدين على الراعي الرسمي للثوار الفيتناميين في حرب أفغانستان يوم سحقت الجيوش السوفيتية وخرجت مطأطئة الرأس باكية،، أمريكا تلك البلاد التي لن ينتهي مسلسل جرائمها في حق البشرية ولن يغفل التاريخ عن كتابة ما فعلته بالشعوب ولن يوقف القلم مداده حتى يسطر قتلى الهنود الحمر وضحايا فيتنام والقنابل النووية وأطفال الحصار على العراق وأخيرا وليس آخراً أطفال فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال وغيرهم ممن طحنتهم آلة الحرب السياسية والعسكرية الأمريكية .
مسلسل التاريخ ودورة الزمن تكرر نفسها فانهيار الإتحاد السوفييتي جاء بعد جرائمه وتعديه على فطره الإنسان وحريته وأمريكا تسلك نفوس الطريق وتعيث في الأرض الفساد ،، وهذه طريق موحشة تؤدي بسالكها إلى قبر لا مبعث بعده ولا مخرج .
فلتندرس كل دولة قامت على جماجم المستضعفين .
هذه هي حكاية الحضارات وهذه قصص الإمبراطوريات ،، لقد حكيتها لكم .

ذكـريـات الكـتابة السياسية !! (4)



بضع حروب في أرضنا (4)!!




أوروبا وأمريكا ودول كثيرة تمثل الجبهة الغربية دائما ما كنت أنظر اليها نظرة شك وارتياب والتي ازدادت حدتها بعد اعتدائتها الأخيرة في العراق وأفغانستان ومساندتها الدائمة للصهاينة ضد اخواننا في فلسطين أرض الكنعانيين كما أحب تسميتها دائما .. نظرتَيّ تجاه الغرب كانتا نظرتي حقد وشفقة ،، كنت أحقد على من دمر وقتل ونسف وأباد وأحرق ،، وكنت كذلك أشفق على من كُذب عليه وضلل ووجه فكريا دون أن يدري لمعاداتنا والخوف منا فالشعوب الغربية التي ما عرفت عن أرضنا سوى ما تبثه لها دوائر الإعلام والتضليل المرئية والمسموعة والمقروءة وهي التي عرفت بتقبل الآخر واحترام كلمتك والإنصات لها إن سمح لك بالكشف عن نفسك أمامهم شعوب ستسير يوما ما إن أراد الله على درب الخير والهداية والصلاح إن كفت أيدي الرؤوس هناك عن التلاعب بالحقيقة وتشويهها وإن اجتهدنا نحن بني العرب والإسلام في توصيل الرسالة البيضاء لا الحمراء إليهم ..
الخوف من الإسلام أو كما يسمى بالمصطلح العلمي الإسلاموفوبيا ظاهرة اجتاحت الغرب بكيانيه المعروفين اوروبا وأمريكا تتمركز على نقطة الخوف من ذلك الدين القادم من خلف البحر المتوسط والذي عبر كل التضاريس ودخل نفوس الملايين من الأوروبيين والأمريكان وغيرهم من بني البشر ،، الآلف من بني الأحمر كما سموا سابقا والذين أصبحوا اليوم أخوة في العقيدة لا يفرقهم عنا لون أو لغة أو موطن قد دخلوا في دين الله الأوحد وخلعوا عن أنفسهم ثياب الجاهلية الغبراء التي حصرت الإنسان في نطاق ضيق لا يمكّنه من تجاوز رغبات نفسه التي ركّبت فيه والتي يشترك فيها مع الحيوان ليضيق تفكيره في حدود ما خطته له نفسه..
الإسلام كما جاء من عند الله الواحد الأحد يأسر القلوب ويسير بحاضنها الجسد نحو قمة يصعب على غيره من بني جلدته بلوغها ،، هذا هو الإسلام،، دين له قدرة ذاتية على الانتشار ،، فبعد أن تخلى عنه أتباعه بل أساء بعضهم له بأفعاله المنافية لما أمر الله ولما نهى عنه توقعنا نحن المسلمون أن الإقبال على اعتناقه سيتراجع كما هي عادة القوانين البشرية والسنن المعلومة لدينا ،، فبعد أحداث سبتمبر ومدريد ولندن وبعد الهالة الإعلامية الغربية المشوهة للإسلام وأتباعه وأحكامه وبعد حملات المفكرين الغربيين وعملائهم في أرضنا على الدين العظيم كانت النتيجة مخيبة لآمال الحاقدين ولخطط المثبطين ،،فالإحصائيات تشير إلى جحافل من البشر بمختلف ألوانهم وألسنتهم يدخلون سنويا في دين الإسلام ليكوّنوا هناك في تلك البلاد البعيدة عنا جغرافيا والقريبة منا بقلوب المسلمين الجدد مجتمعات تقوم على الفضيلة والخير والحب والعدالة ..
مئات بل آلاف بل قل ملايين من الكتب التي تتحدث عن الإسلام وعن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن تاريخه المشرق نفدت من مكتبات أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم ،، الجميع في شوق لمعرفة الإسلام وماهية أحكامه ولماذا يصوّر بهذه الطريقة السينمائية من العنف وتدمير العمران ونسف كل ما ينفع الإنسان وباقي المخلوقات ..
الخوف من الإسلام لم يكن وليد ما بعد أحداث سبتمبر ولم تشوه صورته بهذه الطريقة في القرن الحادي والعشرين فقط ،، فالمواجهة بين الإسلام وعشاق الظلام بدأت منذ أن تقدمت طلائع المجاهدين في صدر الإسلام لمقارعة قوى الروم في معركة مؤتة المشهورة والتي كانت بداية لأول التحام بين رأسي الدينين الإسلامي والمسيحي ،، الصراع ومحو الآخر إن صحت التسمية ليست من أهداف الدين الإسلامي كمحو دموي يحاول الفتك بالمقابل واقتلاع جذوره بالمعنى القوي للكلمة ،، فالإسلام كان دائما الداعي الأول للغة الخطاب والتحاور البعيدة عن التعصب وجذب المخالف نحوه بالحكمة والموعظة الحسنة ليكسب قلبه ووجدانه و اقتناعه بالدين الجديد ..
النظرة السلبية إلى الإسلام في أوروبا قام بفبركتها ونشرها بين الشعوب هناك رجال الكنيسة والأباطرة الذين يخشون التفاف حبال الشعوب المقهورة حولهم وبالتالي تضيع كل طموحاتهم الدنيوية الدنيئة في كبت الشعوب وتسفيه مطالبها وإبقائها على المحيط الأسود الذي تعيش فيه ،، كان للأحداث التي تمر بين الطرفين وخاصة المعارك الشهيرة التي تصادمت فيها الكتلتين وهي تصادمات فاصلة بذلت فيها أرواح كثيرة من الطرفين كمعارك فتح الأندلس واليرموك وبلاط الشهداء وفتح القسطنطينية والتي استغلت من قبل رجال الكنيسة لتشويه الإسلام دور كبير في انتشار ما يعرف بمسمى الخوف من الإسلام ،، فهذه المعارك والتي هدف المسلمون من خلالها إلى تحرير شعوب الغرب من كبت الكنيسة وأباطرة أوروبا استغلها خفافيش الانغلاق هناك لتشويه صورة الدين الحنيف وتحريض الأقوام الغربية للبقاء على موقفها الخائف دائما مما سيرتكبه هذا الدين إن استطاع أن يقفز إلى أوروبا ويحكمها ويمحو آثار ما تبعته من أديان أخرى ..
تصاعد ما يسمى بالإسلاموفوبيا وخاصة في هذه الفترة بالتحديد كان سببه العديد من العوامل التي أثارته وجلعته أزمة نفسية تصيب الكثيرين من الغربيين ،، فأزمة الحجاب في فرنسا والرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وانحسار المد اليساري عن سدة الحكم في الغرب وأحداث سبتمبر ومدريد ولندن والتراكمات التاريخية وتصريحات البابا بنديكت السادس عشر وغيرها كثير ما زالت تظهر على السطح كعوامل جانبية كلها أثارت الظاهرة بشكل كبير وخاصة في هذه الفترة بالتحديد التي يقف فيها المسلمون عاجزون عن التصدي للكم الكبير من الغزو المتدفق من كل الجهات الذي يستهدف كل كياننا كأمة وجسد مترابط .

ذكريات الكتابة السياسية !! (3)


بضع حروب في أرضنا !! (3)

في صباح مسقطي مشرق كانت للرطوبة يد في تخفيف شدة حرارته التي بدأت في كسر حاجز 40 درجة مئوية وصلني نبأ تفجيرات هزت مجموعة من المباني السكنية في العاصمة السعودية الرياض، في منتصف ليل 12 مايو 2003م أي بعد شهر تقريبا من سقوط بغداد كان وميض السيارات المتفجرة يقلب ليل الرياض إلى نهار.. أكثر ما شدني للبحث في تفاصيل الخبر عودة عمليات مارسها تنظيم القاعدة قبل فترة طويلة في أنحاء متفرقة من العالم ضد مصالح أمريكية إلى الوجود.. لم يتأخر تنظيم القاعدة في الإعلان عن مسؤوليته عن التفجيرات وعن تجنيده لمجموعة من أعضاءه لتفجير أنفسهم عن طريق أربع سيارات مفخخة ،، كان المستهدف على حد قول التنظيم مجموعة من المجمعات السكنية التي يقطنها أمريكيون وهذا ما نفته هويات أكثر القتلى والجرحى .. ثارت في مخيلتي العديد من الأسئلة بدأت تتزاحم أكثر فأكثر كلما تحدثت مع المقربين مني من أشقائي وأصدقائي وزملائي عن تنظيم القاعدة وعما يحدث في العراق من عنف غير مسبوق والذين تختلف أرائهم فبعضهم متعاطف مع التنظيم والكثير منهم ينفر من توجهاته ويعارض فكره وسلوكه ،، كانت أسئلة كثيرة يحتار معها المرء ويتيه عاجزا عن حسم ما تكالبت على تضييقه الظروف المتوارده الينا ساعة بساعة .. هل كان لغزو العراق وتداعياته يد فيما يحدث؟؟ ،، وهل استطاع تنظيم القاعدة أن يخترق الحواجز الأمنية السعودية وأن يمد يده نحو ما يراه هدفا له في السعودية؟؟ ،، وهل سيتقبل الشعب السعودي والمسلمين بشكل عام - كون السعودية تحتضن أقدس مقدسات المسلمين – ما يفعله التنظيم من ضرب لأهداف في بلاد الحرمين وإثارة القلاقل الأمنية في بلد تشهد توافد الملايين من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة ؟؟ وما هو سبب تركز المؤيدين والأعضاء في التنظيم في المملكة ؟؟ بعد هذا التفجير بدأ نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كما أسمى نفسه يزداد تدريجيا في السعودية وبدأت معه قوة الأجهزة الأمنية السعودية المدعمة بكل ما تحتاجه قوة أمنية تواجه حركة داخلية مشابهه لحركات التمرد في التصاعد أكثر فأكثر وهو ما أدى إلى الكشف عن أطنان من الأسلحة التي يعثر عليها مخبأة هنا وهناك ،، لم يقتصر الكشف على الأسلحة فقط فقد كان لحصار الخلايا النائمة المنتمية للتنظيم- والتي انتشرت في كل بقاع المملكة حتى أم القرى ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم - مكان في قائمة النتائج الإيجابية للأجهزة الأمنية السعودية ،،لكن مع ذلك فالتفجيرات لم تسكن طويلا ولم تستمر ليالي الرياض يسدل الليل عليها موجه المعهود فتفجيرات المحيا في الثامن من نوفمبر 2003م أشعلت شموع النور التي تضيء الليل ولكنها أيضا لم تنسى إشعال أخر شموع التعاطف بين الشعب السعودي وتنظيم القاعدة وذلك بعد مقتل الكثير من العرب والمسلمين في التفجير . عدت في ذاك الوقت إلى العبارة الجميلة التي تقول ( أنا أول القتلى وآخر من يموت) والتي تشعر المرء بالتحدي وقوة العزم والتفاؤل ،، فسرتها وحاولت تطبيقها على تنظيم القاعدة الذي قتل في معارك أفغانستان ودمرت معظم القواعد والمراكز التدريبية التابعة له ونسفت الكثير من مخططاته التي يحاول الانطلاق بها من بلاد الأفغان الجميلة،، فالتنظيم قد صعبت مهمته هناك ولكنها سهلت من حيث القدرة على نشر الفكر القاعدي ففكره انتشر كالنار في الهشيم بين الشباب المسلم ،، كان لنيران الحروب ووأد تطلعات الشعوب والدكتاتورية التي تعاني منها الكثير من الأنظمة في بلداننا العربية دور في نشر أفكار تنظيم القاعدة وظهور الكثير من الجماعات المسلحة على أساس هذا الفكر وبالتالي ظهرت مئات من التنظيمات المستنسخة فكريا عن تنظيم القاعدة توجه كل قوتها لتدمير عدوها الذي تحدده مع مرور الزمن والأيام ،، وهذا ما أخر موت تنظيم القاعدة الذي قتل كجسد في أفغانستان ولم ينتهي كفكر مازالت يقوم عليه تنظيمات تولد في أزمنة متقاربة جدا . تسارعت الأحداث في المنطقة وخاصة في العراق ،، فأسود المقاومة في العراق استمروا في تدمير الحلم الأمريكي ووقفوا سدا منيعا أمام أكبر الطموحات الأمريكية في المنطقة واستطاعوا بعد تكوين كتائب المجاهدين من جر القوات التي يتزعمها من ألهم من السماء كما يقول إلى مستنقع مليء بالأفخاخ والأشواك والوحوش الأسطورية إن صحت التسمية ،، زاد الوضع خطورة و تحركت الخلايا المعادية للغرب والمتواجده في القارة العجوز لتدمر مجموعة من القطارات في مدريد وتقتل أكثر من 190 شخصا وتطيح بكرسي أزنار عن سدة الرئاسة في اسبانيا،، لم تمر أيام كثيرة حتى اشتعلت معركة الفلوجة الأولى ..ويسير العالم بكل كياناته نحو طريق الدماء والبارود ونحو معارك لا نهاية لها يموت الآلاف من كلا الطرفين حابسا أنفاسه الأخيرة عن دنيا ملئت بقانون الغاب الذي يأكل ما يشاء من الضعيف ويلتهم كل ما اخْضرّ مما يشتهيه ويتلذذ عند رؤية بريقه .

ذكريات الكـتابة السياسية (2)


بـضـع حـروب فـي أرضنا!! (2)




(2)

العراق وبعد سقوطه تحت يد الاحتلال الأمريكي أصبح مفتوحا لأنواع عديدة من الصراعات ،، فمعارك الجواسيس والاستخبارات الراعية لها والتنظيمات المسلحة ضد الاحتلال والصراع المذهبي والطائفي والقومي بألوانه المتعددة كلها قد ظهرت على السطح بعد التاسع من ابريل 2003م،، بعضها قد أثاره تجار الشعوب من لصوص الدينار وبعضها تجرأ على ركوبها من عشق الفتنة وسعى إلى دربها والكثير منها رتب الطامع الخارجي على إشهارها في وجه ذاك الشعب الذي قاسى واقع الحرب لعقود متتالية .

أزمة وسعت الشرخ في قلب الأمة العربية والإسلامية وغرست حرابها بكل قوة في نحر كل أمل نظر إليه من يأس من الحياة وشدتها وقسوة الصراع الدائر فيها فكل مظاهرة سارت في تلك الأيام وقبلها في مختلف دول العالم رافضة لمبدأ الحرب و صب الدماء لم ينظر إليها العالم الداعي كذبا لحرية الكلمة والخضوع لرأي الأكثرية ولو بنظرة تعالي وكبر .

في خضم المعارك الرئيسية والتي استمرت لـ 3 أسابيع متتالية كان تدفق المجاهدين العرب نحو العراق يكسب الحرب بعدا جديدا يشبه ما كان يحدث في أفغانستان أيام الجهاد ضد الروس فالعبور نحو المجهول بالنسبة لعدد منهم والعبور نحو الجنة بالنسبة للكثير كان هدفا يتمنى نيله من لم يستطع بلوغ أرض فلسطين المحاصرة بدول الطوق .
كنا ننظر لهؤلاء نظرة إجلال وفخر ،، فهؤلاء تركوا الدنيا وما عليها من أجل نيل رضاء الله عز وجل فمنهم من خرج دون علم أهله ومنهم من قطع سكون الليل بخطوات هادئة لكيلا تسمع وقعه خفافيش الحكومات التي كانت ترتعد في تلك الأيام خوفا من مصير مجهول أطاح بنظام شقيق لها في يوم من الأيام ،، أذكر صورة ذاك الفتى اليمني والذي لم يتجاوز على حسب تخميني 16 من عمره وقد وصل إلى مدينة الموصل قادما من الحدود السورية وهو يقول بأعلى صوته : أنا من القطر اليمني الشقيق قدمت مجاهدا لصد جيوش المستعمر الجديد .. لا أدري هل ما زال على قيد الحياة أم سُيّر به إلى سجون الظلام في أبو غريب أم أنه دُفن شهيدا في أحضان بلاد الرافدين.. العلم عند الواحد الأحد .

قصص كثيرة سردت عن بطولات المجاهدين العرب وكيف دافعوا عن بغداد في معارك أم قصر والمطار ونفق الشرطة والأعظمية وكيف طعنوا من الخلف وتركوا يواجهون الآلة العسكرية الأمريكية بأعتى مدمراتها وأصواتها المجلجلة .. كانت صور تقارير القنوات الفضائية عن مقابر الشهداء العرب وكيف ماتوا وتركوا يقاتلون بأسلحة رديئة الاستعمال وأحيانا غير صالحة تضع مئات علامات الاستفهام على جدية المبدأ الذي دعت إليه القيادة العسكرية العراقية المجاهدين العرب للقتال من أجله.

كمسلم وعربي كنت لا أملك أية إجابة عما يحدث ،، فكل الأجوبة عندي لا تتعدى حاجز رأي سمعته من هنا أو هناك ،، ولكنني كنت أثق وأنا الذي لم أتجاوز العشرين من عمري في تلك الفترة أن الأمريكان لم يأتوا إلى أرضنا العربية والإسلامية محررين ولم يزحفوا بجحافلهم الفولاذية لسواد عيون العربي وبشرته القمحية اللون بل جاءوا لمشروعٍ طُبخ على نار هادئة منذ فترة ليست بالقصيرة من الزمن ،، فمنطقتنا ككل كما يروي لنا جدنا الأكبر التاريخ كانت وما زالت مقرا لصراعات دائمة بين حضارات العالم القديم والحديث .

تنظيم القاعدة مجموعة من المقاتلين كانوا قاعدة جيش الدولة الإسلامية المستقبلية ،،يقودهم رجل قاد تنظيمات عربية جهادية في أرض أفغانستان في فترة الصراع ضد الجيوش الحمراء السوفيتية ،، نشأ التنظيم هناك وترعرعت أفكاره وتصلب عودها لتظهر على الساحة العالمية في نطاقه الحركي التنظيمي بعد شرارة عاصفة الصحراء وبناء القواعد الأمريكية في دول الخليج .. فإخراج المشركين من جزيرة العرب وتحرير فلسطين وتدمير مصالح أمريكا في المنطقة أهداف نادا بها تنظيم القاعدة و خطط وطبق ما أستطاع القيام به ،، حتى العراق كان للتنظيم ميدان فيه بعد 2003م ،، كيف لا وهو من ضرب أمريكا في عقر دارها فهل يهرب الآن وقد جاءت إلى مستنقع يمكّن التنظيم من ضرب عدوه في أكثر مناطقه حساسية .

في العراق كان التنظيم تحت قيادة جديدة اعلاميا قديمة ميدانيا وكانت تحت مسمى جديد يختلف عن المسمى المتداول لدى الجميع ،، فأبو مصعب الزرقاوي وجماعة التوحيد والجهاد كل أولئك ساروا على نهج الأب القاعدي في العداء ضد أمريكا واختلفوا معه في استهداف الطوائف الأخرى كالشيعة مثلا .. فالحرب الطائفية في العراق كانت تحتاج إلى شرارة بسيطة حتى تشتعل فعوامل الدهر وأفكار التكفير كلها كانت كزيت قابل للإشتعال في أي لحظة وخُطط فرق تسد كانت القاصمة التي تنتظر اللحظة المناسبة لنسف كل الروابط الأخوية بين المسلمين شيعتهم وسنتهم .

انهيار الجيش العراقي وحله من قبل سلطة الاحتلال جعل البلاد على كف عفريت كما يقال ،، ولكن في الإتجاه المقابل ساعد ذلك على تفرغ أفراد الجيش في تكوين أنوية تنظيمات المقاومة التي تركزت في بادئ الأمر في المثلث السني وانتشرت بعدها في معظم نواحي العراق ،، تنظيمات كثيرة أركانها ضباط خبروا الحروب الواحدة تلو الأخرى ونافسوا في صراعهم دولا قوية وجيوش مرعبة وبالتالي كانت لهم الغلبة في حرب العصابات التي أرهقت وما زالت ترهق فيالق الدمار الأمريكية ..

14‏/04‏/2009

ذكـريـات الكـتابة السياسية !!

بضعُ حروب في أرضنا !!

(1)



أذكر تلك القيلولة الجميلة بعد يوم دراسي ممل قضيناه بين ربوع مدرستنا المليئة بأقوى الأصوات صخبا تنبثق من بين لوزتي حنجرة الزملاء هناك ،، طريح الفراش أرى في المنام ما لم أقدر على تذكره اليوم فكان وقع الصدمة بعد كف قوي على الكتف كفيلا بمحو ما بقي في الذاكرة من بقايا رؤى وأحلام استمرت لبضع ثواني أو نيف منها ..
كلمات سريعة بعد كف (متعافي) يحاول لسان أخي ترتيبها وصياغتها صياغة جيدة حتى أفهمها عن خبر مدوي تحولت بموجبه كل القنوات الفضائية على وجه الأرض إلى ناقل لتصاعد أدخنة الارتطام الكبير ببرجي التجارة العالميين في نيويورك،، كان الوقت عصرا عندنا ونسيم البحر الذي يغزو سواحل السيب في ذلك الوقت يخفّض من حرارة الجو الذي تزيده أحداث العالم سخونة واشتعالا .. قفزة قوية اتجهت بكل جوارحي بعدها نحو التلفزيون لأوجه مسامعي وبصري للقناة السباقة لمثل هذه الأحداث قناة الجزيرة.. خبر يجر ورائه أخبار،، سقوط طائرة في بنسلفانيا وتقدم أخرى نحو البنتاغون وتهريب الرئيس الأمريكي الجديد في ذلك الوقت جورج بوش إلى مكان آمن لحمايته من أي خطر على حياته ،، سقطت الأبراج نحو الأرض وصعدت بعدها الإتهامات نحو السطح .. أتهم الجيش الأحمر الياباني تلته جيوش أخرى وعصابات ولكن المستقر كان على تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن..

مرت الأيام وبدأت ليالي الخليج تخلع عن نفسها رداء الصيف القطني لترتدي معطف الصوف الشتوي ربما لتحمي نفسها من تداعيات غزو جديد ضد أرض الأفغان الصعبة جدا على الغزاة ،، دخل شهر أكتوبر لنرفع أعيننا باتجاه الخارطة السياسية لبلدان العالم ونجبره للتوجه نحو وسط آسيا نحو بلاد الوديان والجبال الشاهقة والتي ستكون هدفا محتما لضربة أمريكية ضد ما تسميه هي بالإرهاب ويختلف الآخرون في إطلاق أي لفظ عليه ،، قصفت أفغانستان وتحالفت تنظيمات مسلحة أفغانية مع الولايات المتحدة لإسقاط نظام طالبان وحليفه القاعدة من سدة الحكم هناك ،، لتترامى تلك البلاد بين أيدي الأمريكان و مختلف الشخصيات الأفغانية علمائهم ومجاهديهم السابقين شيوعييهم والإسلاميين وكل من كان له قدرة على صدام الأكتاف وتسييل اللعاب على وجبة العشاء الأفغانية الدسمة.

لم تكن العراق أقل دسما من شقيقتها أفغانستان التي تفصل بينهما إيران العدو اللدود للأمريكان وصاحب المشاريع الغير متوقعه التنفيذ ،، فالعراق بأحواضه النفطية وموارده الأخرى البشرية والعلمية والزراعية وحتى المائية يكاد يكون مطمعا لكل من رأى في نفسه القدرة على التوسع واحتلال البلدان ،، هذه البلاد التي عشقناها منذ أن كنا أطفالا وعشقنا قائدها صدام حسين عندما كنا نلعب كرة القدم في الملاعب الرملية التقليدية ونتداول ونحن الذين لم نتجاوز 10 سنوات أساطير الترسانة العسكرية العراقية الصدامية المصنعة تحت الأرض والمخبئة تحت الأرض والقادرة على الانطلاق من تحت الأرض كما كانت ترسمه لنا مخيلتنا البريئة في ذلك الزمان الجميل ،، تدفق القوات الأمريكية بأساطيلها وبارجاتها وحاملات الطائرات بإتجاه الخليج العربي قطع كل مجال للشك في ضرب الولايات المتحدة للعراق ،، فتصميم أبناء العم سام كما يسمون أنفسهم على تدمير البلاد والعباد كان أقوى من أي شيء آخر ،، فما كان منا إلا الإنتظار لعل جيوش يأجوج ومأجوج الأمريكية هذه المرة ستُقبر على أسوار بغداد بعد أن ٌُقبر سلفها الهالك التتاري في عين جالوت ..

في العشرين من مارس من العام 2003 م كانت الضربة التي ألغت من أجلها أمريكا كل صوت معارض وقسمت قبلها العالم إلى قسمين وفسطاطين فسطاط معها وفسطاط ضدها..ضربة أولى دكت بغداد الجميلة التي بانت على وجهها تجاعيد الإرهاق لا الكبر،، تجاعيد سببتها حروب وحصار وبكاء على فقدان ملايين الأطفال والأبرياء.. فالحرب مجمع الآلام وفيها يحبس البعض الدمع حتى يسيل عند فقد الأبطال ويرفع الجميع سلاحهم ولو كان طفلا لم يعرف بعد التفريق بين لعبته الخشبية وبين سلاح قاطع لأوصال الحياة..

3
أسابيع دامية استخدمت خلالها ما رأت القوى المتحالفة استخدامه ضد بني البشر في بلاد الرافدين فإبادة الشعوب لم تكن وليدة تلك الحرب عندهم فكتب التاريخ والأرشيف قد ملئت بسير الهنود الحمر وعبيد أفريقيا وقوافل الحيوانات البشرية كما كانوا يسمونهم في مهرجانات لندن وفيلادلفيا وغيرها من مدن الغرب ..

سقط نظام صدام حسين ،، كل ما شاهدته في ذلك اليوم مجموعة من الناس تركض في شوارع بغداد بعضهم يشتم صدام والبعض يبكي عليه بكاءا ممزوج بالخوف حتى لا يعرفه من تذوق العلقم ربما من يدي صدام .. في العصر - سبحان الله دائما ما كان وقت العصر بتوقيتنا مليئا بالأحداث العالمية – كانت الجرافات الأمريكية تقتلع تمثال صدام من وسط بغداد ليسدل الستار عن حكم ذاك الرجل لبلاد الحضارات الدائمة ..
مع انهيار الجيش العراقي فرقة فرقة وبعد استسلام الفيلق الخامس العراقي في الموصل كانت المقاومة في تلك اللحظات الأليمة على كل عربي ومسلم تبدأ في خط أولى صفحاتها في كتاب الكفاح والنضال المسلح ضد العدو المحتل..