18‏/06‏/2009

أدْعياءُ الإستِنَارة في عُمان وأبواب واسعة لغزو العقول !!





ليس من الغريب أن تتوارد الأفكار إلى عقول الناس في هذا الزمان تائهة غريبة في عالمها المترامي الأطراف وليس من الغريب كذلك أن ترى دعاتها يصولون ويجولون في عالم تبليغها كزوابع هوائية في صحراء قافرة يستغلون الفقر المعرفي لدى الناس من أجل حقن عقولهم بشبهات حول الدين والحياة بل وحتى حول الوجود وحول ذواتهم ..ثمة هواجس تجول في مخيلتي وأكاد أراها واقعاً مشاهدا يتربع على مجالات مختلفة من مجالات أرضنا العامرة بالحياة بأنواعها هاجس غريب عندما تجد دعاة الغربنة يبلغون مبادئهم المستقاة من المزيج المتشتت للنتاج الغربي المخالف للنهج الإسلامي وتخاذل رجالات التيار الإسلامي في عُمان من علماء وشيوخ وكتّاب ومثقفين عن الوقوف في وجه الحملة التغريبية الظاهرة للعيان .

أعلم يقيناً أننا نعيش فترة تيه في سرداب مظلم تتشابه ممراته وتتجانس أبواب حجراته حتى لا تكاد ترى اصبع ابهامك ولا تدل طريق عودتك ولا تميز الحجرة عن الأخرى وأعلم كذلك أن إضاءة هذا السرداب بشمعة تبدد الظلام ليس بالأمر الهيّن فالوقوف أمام زحف الأفكار القادمة من خلف البحار يحتاج إلى عمل متواصل وجهد جهيد وبذل سخي فالعالم لم يعد كما كان ومنهجية الإنسان في عالمنا المسلم في استقبال الأفكار تحولت عن المنهجية السابقة الخاضعة للبنيوية الفكرية الواحدة إلى منهجية متعرضة لأفكار مختلفة تحاول التمييز بينها باستعمال طرق متعددة تختص بالمستقبِل نفسه ..

في الماضي كان المرء المسلم لا يعرف سوى دينه يطبق أحكامه ويعمل جهده من أجله ولا يهتم بأي نتاج آخر يخالف هذا الدين لكونه – أي النتاج المخالف– كان محصوراً في ساحات محددة لا تخرج عن نطاق كتاب في مكتبة مؤلفه أو رسالة مخطوطة إلى عالم دين ليرد عليها ويفند اطروحاتها أو غيرها من الساحات المحددة لذاك الفكر أو العقيدة البعيدة عن العامة بيد أن الحال تحول في أيامنا هذه ونحن نعيش ثورة المعلومات والإتصال والإعلام اللامحدود فجميع الأفكار خرجت عن حدودها لتبلغ جميع الناس بتصفح موقع أو متابعة قناة أو قراءة صحيفة أو حتى استخدام أي وسيلة اعلامية يمكن من خلالها توصيل معلومة ما إليهم..

وسائل الإعلام المتعددة هي الوسيلة التي يبلغ صاحب الفكر الآخرين بفكره .. ووسائل الإعلام هي نفسها طريق الرد على هذا الفكر والمفكر وسلوك طريق آخر للرد في هذا الزمان طريق خاطئ لا يحمل سوى ايجابيات قليلة مقارنة بالحصيلة السلبية الناتجة عنه فلا يمكنني مثلاً أن أرد على مقال الكتروني سريع الإنتشار في وقت قصير بين القراء بكتاب يصدر بعد عام أو عامين ويحتاج لوقت طويل للتروبج له ونشره فلا بد قبل ذلك أن اسبقه بمقالات متعددة ترد على المقال الإلكتروني ومن ثم اتبعها بالكتاب وهو خاتمة الردود القاصمة للمقال وأفكاره وكاتبه هذا على سبيل المثال فلسنا الآن في معرض ايراد طرق الكتابة والنقد والرد ولكننا نحاول التقديم لحديث عن موضة الترويج لأفكار متعددة اصيبت بها ساحتنا الثقافية وتحاول جذب الناس باتجاهها بعد ادخالهم في حالة سكر وهيام بشاعرية دعوى تقبل الآراء الأخرى واحترام الرأي المخالف حتى وإن كان هذا الرأي أو الفكر المخالف يهاجم تعاليم الإسلام ويعرض بمقدساته ومصادره.

ربما تابع كثير من المهتمين بالشأن الثقافي المقالات الواردة في أماكن متعددة والتي تنادي بأفكار كثيرة توزعت في مجالات متنوعة كقضية حقوق المرأة وقضية الوقوف في وجه رجالات التيار الديني في عُمان أو ما يسمى الآن بـ " المدرسة الدينية التقليدية " ممثلة بالعلماء والمشايخ وأتباعهم من الناس وخاصة المتدينين أو " المطاوعة " و حركة مجموعة من اللادينيين المختفين خلف الشاشات من أجل انشاء منتديات خاصة بهم وحقول ينشرون من خلالها فكرهم بشكل مركز خارج بوتقتهم المحددة بأطر الخوف من الآخر وربما الخوف من الذات المنسلخة من النفس الإنسانية .. كل هذه الأفكار وأخرى كثيرة لا يمكننا سردها هنا استطاعت الولوج إلى عقول الكثير من أبناء المجتمع ولم تجد أمامها المقاومة المطلوبة من التيار المقابل المضاد لهذه الأفكار متمثلاً بالتيار الإسلامي بشريحته الواسعة من أبناء الوطن عُمان وللأسف نكاد نرى بقعة الزيت تتوسع في ماء البحر دون حل جذري يوقف التلوث الفكري الآخذ في الإتساع .


عندما يفتي السكران !!


في ليلة شق القمر فيها مطالع المدينة واضاء بيوتاتها ونشر السكينة والراحة في ارجاء واسعة من تلك الأرض الطيبة سار عمر بن الخطاب يتفقد أحوال رعيته بيتا بيتا يأخذ بحاجة ضعيف ويعين مسكينا على نوائب الدهر ويحمل بيد فقير ليقف أمام متاعب الحياة وأيامها المتتالية ..

في تلك الليلة مر على بيت تسطع منه انارة السراج وتتسلل من نوافذه همسات بشرية .. تقّدم عمر من البيت ليسمع ضحكات من تاه عقله وكلمات من اسر النبيذ لبه و انفاس من عاقر الخمر حتى بانت على سلوكه وايماءاته .. لم يحتمل عُمر فاقتحم عليهم البيت ودخل عليهم ثم زجرهم .. تعجب الشرّاب من فعل عُمر وزجره لهم فأردفوا وهم في حالتهم تلك : قد جئنا بواحدة يا عمر وجئتنا بثلاث لم تبالي بارتكابهن .. أئت البيوت من الأبواب ، واستأذن الناس أن تغشى عليهم مجالسم ولا تجسس فالآيات نلزت بالنهي عن التجسس .

تعجب عُمر من قولهم ومعرفتهم بتفصيلات في أحكام الفقه وهم في حال ارتكابهم لكبيرة من الكبائر .. يا له من تناقض بلغ قمة القمم .

من المضحك جداً أن تجد من يعلمك الدين واحكامه ويدخل في قضايا الفقه وأقواله وهو لا يلتزم بأبسط أحكام الشريعة الإسلامية .. ظهر علينا في أيام سالفة مجموعة من الكتّاب والكاتبات يعيشون في بلاد الغرب للدراسة أو العمل ومن هناك يرسلون بمداد أقلامهم لأبناء الوطن محملة بأنواع شتى من الأفكار بعضها يدخل في قضايا الجدل الفقهي وأخرى في الفلسفة وكيفية التعرف على وجود الله وبعضها بلغ بها المبلغ نقد النص القرآني وعرضه على الآلات البشرية القاصرة حتى عن التمييز بين خوار البقرة ونهيق الحمار !!

المرأة احتلت المرتبة الأولى مع مرتبة الشرف في مقالات دعاة التغريب فـ تعدد الزوجات ، وشرط موافقة الولي عند زواج المرأة ، والعباءة السوداء ، والحجاب ، والإختلاط عند العمل ، وقضايا أخرى طويلة استغلها هؤلاء لإظهار أنفسهم بمظهر المنافح عن حقوق المرأة والمطالب بحريتها في هذه الحياة وكأن قضايانا انتهت ولم تبقى سوى قضية المرأة تشابكت حولها الأشواك وانتشرت تحتها الحشائش السامة لتحولها إلى قضية رأي عام يجب تسطير الأقلام لها وشحذ الهمم من أجلها وطبعاً لن يكون المستهدف غير الإسلام والعلماء والعاملين من أتباع التيار الإسلامي وانهم هم من كان السبب في الإضرار بمكانة المرأة وتوسيع رقعة ما يسمى بـ " السيطرة الذكورية " على المجتمع بأسره وجعل المرأة حالة ثانوية مكانها البيت ووظيفتها النسل السنوي لجحافل الأطفال ونسوا أو تناسوا أن الإنسلاخ من العقيدة الإسلامية وأحكام الدين كان المحرك الأساس والذي أدى إلى الإضرار بالمرأة ومكانتها والتأثير على مجالات مختلفة من مجالات الحياة في مجتمعنا الشرقي العُماني ..

كلام كثير تعددت من خلاله المطالبات وتوسعت بسببه أنواع التفسيرات لآيات القرآن الكريم ولأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وليت المفسرين و المحدثين كانوا من المختصين بهذا الشأن بل كانوا للأسف مجموعة من الشباب والكتّاب المتأثرين بالفكر الغربي ولم يطلع معظمهم إن لم يكن كلهم على أي من علوم الدين إلا في النزر القليل جداً .. وربما تجد من يشطح بفكره ليحاكم السنة النبوية المطهرة ويتهم مدونوها كلهم دون أي موضوعية ومنطق بتدوين أكاذيب وأساطير لا تخص سنة النبي صلى الله عليه وسلم بأنواعها فكلام النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – على حد زعمهم – لزمان ومكان محددين لا يجب أن يتعديا حدود ذاكين الزمان والمكان ويجب بعد هذا كله فقط اللجوء للقرآن الكريم دون غيره وأن يكون مصدر التشريع الوحيد دون غيره حتى تسقط أحكام لم ترد في كتاب الله ويبدأون في عمليات انتاج لأحكام فقهية جديدة لا تتفق وروح الإسلام وتتفق جداً مع ذواتهم المنسلخة من دائرة الفطرة السوية والنفس الخاضعة لله عز وجل .


هناك تعليقان (2):

  1. جميل جدا أيها المطر .

    في عالمٍ منفتح على ثقافات مختلفة وأفكار متباينة ورؤى متنوعة , لا بد من هذا الحراك الفكري والتباين الثقافي , قد يكون هذا الحراك سلبيا في جوانب وايجابيا في أخرى .

    إذن لا بد من التسلح بالعلم وننهل من الثقافة ونتزود من الفكر الرشيد ونرتكز علة أسس قوية وأرضية ثابتة , حتى لا نضيع بين تلك التيارات ولا نكن كريشة تائهة في مهب الريح .

    ردحذف
  2. اتفق معكِ أختي الفاضلة ..
    لا بد من التسلح بالعلم ومحاولة التوسع في كل المجالات مع عدم اهمال التخصص حتى نقف سداً أمام كل محاولات التغريب والعلمنة والذود عن حياض الإسلام ولو بأقلامنا ..
    أشكر مرورك وتعليقك الطيب .

    ردحذف