15‏/05‏/2009

يــا لــكَـ مــن صـيـــفٍ رجــعــتَ ديـــاركـ ...


الشمس انحرفت قليلاً عن كبد السماء ، والحرارة تنطلق منها ومن الأرض تنبعث ، يلفح وجهك " الغربي " القادم من هناك متحمساً بسخونته المعتاده ،ويضايق عينيك الغبار الذي تثيره الرياح الساخنة ، جسدك تسبح حوله قطرات العرق وملابسك تلتصق بجسدك لتحتمي من ظواهر الصيف القادم بقوة ..
إنها الساعة الثانية ظهراً حيث يعود الناس من العمل ليتوجهوا إلى بيوتهم أو المطاعم لتناول وجبة الغداء ،يركبون سياراتهم الفارهة أو العتيقة ، يشغلون المكيفات ويلبسون النظارات الشمسية ، فكلهم يبحثون عما يقيهم الحرارة والرطوبة وعصرها للجسد كقطعة ليمون على " مضباة مشاكيك " ،، إلا هو يحمل كتبه وأقلامه ودفاتره ويتوجه مشياً على الأقدام من بيته باتجاه الشارع العام ،ينظر لساعة هاتفه النقال خوفاً من إخلاف الموعد والوصل متأخراً ،، يصل للشارع العام حيث لا ظل ظليل ولا شجر وفير ،ينتظر سيارة الأجرة التي يرمقها من خلف السيارات القادمة من بعيد، فيرفع يده مشيراً لها بالوقوف ، يلتقي نظره بنظر السائق ، فيحولها السائق إلى الشارع ويواصل مسيره تاركاً إياه تحت الشمس ،،، تأتي سيارة الأجرة الثانية و تتخذ نفس القرار والثالثة فالرابعة إلى أن تصل الخامسة وتقرر الوقوف بعد الإستئذان من قائدها ،، يحشر نفسه مع " العِبرية" في الخلف ليتوجه إلى المحطة الثانية من محطات المسيرة اليومية باتجاه ميدان الكفاح ..
هناك في المحطة الثانية معاناة أخرى اكبر من أختها الأولى ..
يعبر الشارع بعد أن امتلك شجاعة عنترة ، فالسيارات حمر مستنفرة فرت من قسورة ، كلها تمضي باتجاه المقصد لا تقل سرعتها عن 120 كم في الساعة ، لا تأبه بعبارة " الشوارع مزودة بأجهزة رصد السرعة " ولا تنظر إليها أبدا .. يبحث عن سيارة اخرى تقله إلى مقصده ، فسيارة الأجرة الأولى أوصلته إلى الجسر ومن هناك ينتقل في سيارة أخرى إلى المكان المقصود والموطن المطلوب .. يجول بناظريه على " رعاة التكاسي " ويسلم عليهم بتحية " السلام عليكم " يتبعها بـ" رايح الجامعة ؟ " فيجيبه أحدهم بسرعه " بريال وميتين " ..
يطرق صاحبنا لهنيهة ثم يرد : " ما عليه أنتظر شويه يمكن حد بيجي " ..
تحت ظل نخلة سامقة اشتد عودها وقوي جذعها وتصلب اساسها وقف ملياً ينتظر سيارة أجرة تمر لتقف له ويسير معها نحو مقصده بسعر أقل ، انتظر فانتظر ثم انتظر ، بعدها نظر إلى النخلة وقال هامساً وكأنه يحرك شفتاه موذنا بانطلاق تعويذات تقله بسرعة الضوء الى مقصده بعد أن يرسم خط على الأرض كما في الأحاديث الشعبية ، ولكنه لم يفعل ذلك ، اطلق لسانه بشعر أحمد شوقي واصفاً النخلة وصلابتها وكرمها في الحل والترحال والصيف والشتاء :
أهذا هو النخلُ ملك الرياض /// أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغتي /// وزاد المسافر والمغترب ب
بعدها بثواني فقط يرى أمامه سيارة أجرة ، لم ينتبه لقدومها وحركتها السريعة ، تقف السيارة وتنخفض النافذة الأمامية ، ليسأله صاحبها : وين رايح ؟
يجيب صاحبنا : رايح الجامعة .. بكم تروح ؟
صاحب التكسي : تفضل بثلاثمئة .
يهز صاحبنا رأسه موذنا بالموافقة ويحشر نفسه في تلك السيارة ليتغير الصيف إلى ربيع ويتحول الغربي إلى هواء بارد يشيع في النفس شيئاً كبيراً من الراحة والهدوء .. وما هي إلا دقائق معدودة حتى يصل إلى ميدان الكفاح وقد تأخر عن الموعد دقيقتين .

تكرر هذا المشهد كل أحد وثلاثاء من كل أسبوع لمدة أربعة أشهر .. و أنا متأكد أن صاحبنا يسأل الله بعد كل صلاة أن لا يتكرر هذا المشهد مرة أخرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق